تكشف دراسة أمريكية أن البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي نعيش فيها قد تُحدث تغييرات في بنية الدماغ نفسها وتزيد من خطر الإصابة بالخرف.
ظاهرة عالمية في تزايد مستمر
يصيب الخرف عدداً متزايداً من الأشخاص حول العالم. ففي الجزائر يُقدّر أن آلاف الأشخاص يعانون منه وقد يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2050. وعلى المستوى العالمي تم تسجيل 57 مليون حالة سنة 2021، أكثر من 60% منها في البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وحتى الآن كان الباحثون يشيرون إلى عوامل خطر معروفة مثل: ارتفاع ضغط الدم، داء السكري، السمنة، التدخين، الإفراط في استهلاك الكحول، قلة النشاط البدني، العزلة الاجتماعية أو الاكتئاب. لكن دراسة أمريكية جديدة أُجريت في كلية الطب بجامعة “ويك فورست” (كاليفورنيا) أضافت عاملاً غالباً ما يُغفل عنه: مكان العيش.
البيئة الاجتماعية.. عامل دماغي منسي
ولاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يعيشون في أحياء تعاني من الحرمان الاجتماعي، أو ملوثة، أو تشهد ظلماً بيئياً، تظهر لديهم اضطرابات قابلة للقياس في بنية الدماغ ووظائفه. وقد نُشرت هذه النتائج في مجلة Alzheimer’s & Dementia: Behavior & Socioeconomics of Aging.
ويقول البروفيسور ” تيموثي هيوز” المؤلف الرئيسي للدراسة وأخصائي طب الشيخوخة: “يمكن للبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الناس أن تشكل صحتهم الدماغية بطرق عميقة.”
وشملت الدراسة 679 بالغاً خضعوا لتصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي (IRM) وتحاليل دم للكشف عن المؤشرات الحيوية المبكرة لمرض ألزهايمر. ثم تم ربط هذه البيانات بثلاثة مؤشرات وطنية لقياس الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية حسب الرمز البريدي للمشاركين، فيما النتائج كانت صادمة:
- الأشخاص الذين يعيشون في مناطق محرومة أظهروا تغيرات دماغية أكثر ارتباطاً بالخرف.
- التأثير كان أكثر وضوحاً لدى الفئات ذات البشرة السمراء التي تعيش في أحياء تعاني من الفقر، والضغط البيئي، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية.
ويؤكد الباحث المشارك “سودارشان كريشنا مورثي” من جامعة ويك فورست: “هذه من أوائل الدراسات التي تربط بين العوامل الاجتماعية المتعلقة بمكان السكن والمؤشرات البيولوجية الدقيقة للخرف.”
بيئة سليمة… لعقل سليم

ويشير الباحثون إلى أن جودة الهواء وأمان السكن وإمكانية الحصول على غذاء صحي وفرص اقتصادية متكافئة، تترك أثراً دائماً على الدماغ. بمعنى آخر فإن صحتنا الدماغية لا تعتمد فقط على أسلوب حياتنا الفردي، بل أيضاً على بيئتنا الجماعية. فالتوتر المزمن، والضجيج المستمر، أو الشعور بانعدام الأمان الاجتماعي يمكن أن تُضعف الدماغ على المدى الطويل.
الأعراض الأولى التي لا يجب تجاهلها
تبدأ أعراض الخرف عادة بشكل خفيف وغير ملحوظ في البداية مثل:
- نسيان متكرر أو فقدان الأغراض،
- اضطراب في الزمان أو المكان،
- صعوبة في إيجاد الكلمات،
- فقدان المبادرة،
- ضعف في الحكم أو ميل تدريجي للعزلة.
لذلك يجب استشارة الطبيب عند ظهور هذه العلامات، خصوصاً إذا كان هناك تدهور سريع في الذاكرة أو التركيز.
الوقاية من الخرف: جهد جماعي وفردي
لحماية الدماغ يوصي المختصون بما يلي:
- اتباع نظام غذائي متوسطي غني بالخضروات والفواكه والأسماك الدهنية وزيت الزيتون،
- ممارسة نشاط بدني منتظم (لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يومياً)،
- تحفيز القدرات الذهنية (من خلال القراءة، وألعاب الذاكرة، والتعلم، والأنشطة الفنية)،
- الحفاظ على علاقات اجتماعية قوية، باعتبارها عاملاً رئيسياً في مقاومة التدهور المعرفي،
- المساهمة في حماية جودة البيئة ودعم السياسات المحلية التي تعزز الصحة، مثل الحد من التلوث، وتوسيع المساحات الخضراء، وضمان السكن الصحي، وتشجيع وسائل النقل المستدامة.
درس يجب تذكّره
تُذكّرنا هذه الدراسة بأن الدماغ ليس معزولاً عن العالم الخارجي، فخبراتنا وبيئتنا الاجتماعية والحي الذي نعيش فيه تؤثر مباشرة في صحتنا الإدراكية. كما يلخّص البروفيسور ” هيوز” الأمر قائلاً: “تحسين صحة الدماغ لا يعني فقط علاج المرض، بل يشمل أيضاً خلق بيئات معيشية أكثر عدلاً وصحة وتحفيزاً.”
العيش في حيّ مريح وصحي يعني منح دماغك فرصة أفضل للتقدّم في العمر بطريقة سليمة.
الكلمات المفتاحية: الدماغ، الحي، البيئة، الاجتماعي، الإدراكي، الخرف.
إقرأ أيضاً: