في سابقة هي الأولى من نوعها في إفريقيا، حققت الجزائر خطوة تاريخية في مجال صناعتها الصيدلانية، من خلال إطلاق مشروع إنشاء وحدة لإنتاج المواد الأولية الخاصة بالأدوية المضادة للسرطان. وقد أشرف وزير الصناعة الصيدلانية ” وسيم قويدري” يوم الإثنين، على وضع حجر الأساس لهذا المشروع الطموح بالمنطقة الصناعية في سطيف. وستكون هذه الوحدة تابعة للمجمع العمومي صيدال، الرائد الوطني في المجال الصيدلاني.
بنية تحتية استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي
وسيتم إنشاء المصنع على مساحة قدرها 6813.6 متر مربع، باستثمار عمومي يبلغ 2.5 مليار دينار، ويهدف إلى إنتاج سنوي يُقدر بـ 5000 كلغ من المواد الفعالة، وهي المكونات الكيميائية الأساسية في صناعة الأدوية.
وسيتخصص في إنتاج الجزيئات المضادة للسرطان والتي تُعد من بين الأكثر تعقيدًا وتكلفة في التصنيع، وتُستخدم في العلاج الكيميائي، ما يتطلب معايير صارمة من حيث الجودة والنقاء والسلامة.
وبمجرد دخول المصنع حيز التشغيل المرتقب خلال الربع الأول من سنة 2026، سيتم انتاج 15 منتجًا مبتكرًا مما سيساهم في تقليص اعتماد الجزائر على استيراد أدوية باهظة الثمن وحيوية.
استجابة ملموسة لحاجة الأمن الصحي
وقد أكد الوزير أن هذا المشروع يندرج ضمن استراتيجية الأمن الصحي التي حددها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي تهدف إلى:
- ضمان الوصول العادل إلى العلاجات الأساسية، خاصة لعلاج الأمراض الخطيرة كمرض السرطان.
- تقليص هشاشة البلاد في مواجهة الأزمات الصحية العالمية، مثل جائحة كوفيد-19.
80% من الأدوية تُصنع محليًا: نموذج في التقدّم
وأوضح الوزير أن حوالي 80% من الأدوية المتوفرة في السوق الجزائرية تُنتج محليًا، وهو ما يتيح للدولة:
- خفض فاتورة الاستيراد بشكل كبير.
- دعم خلق مناصب شغل مؤهلة.
- وتعزيز السيادة الدوائية الوطنية.
وتشمل هذه الأدوية المحلية علاجات الأمراض المزمنة، والعدوى، والآلام، والاضطرابات العصبية، إضافة إلى عدد متزايد من الأدوية المعروفة بكونها “حديثة الابتكار”
نحو إنتاج محلي للمواد الفعالة
تعتبر المكونات الصيدلانية الفعالة بمثابة المركّبات النشطة بيولوجيًا التي تحتوي عليها الأدوية، وحتى وقت قريب، كانت الجزائر تعتمد بشكل شبه كلي على استيرادها، وخصوصًا من آسيا.
لكن بفضل هذه الوحدة الجديدة ومشاريع أخرى قيد الإنجاز، تعكس الجزائر هذا الاتجاه، أين أعلن الوزير:
- دخول وحدة لإنتاج المادة الفعالة للباراسيتامول في باتنة الخدمة في نوفمبر 2025.
- افتتاح وشيك لوحدة إنتاج مواد فعالة للمضادات الحيوية في المدية، وهي حاليًا في مرحلة الاستلام.
وتمثل هذه المشاريع تحولًا جذريًا من صناعة تعتمد على التغليف فقط إلى صناعة متكاملة تنطلق من الجزيء الخام وصولًا إلى الدواء النهائي.
قدرات تصديرية إفريقية ودولية
وبامتلاكها 213 وحدة إنتاج صيدلانية، تملك الجزائر نحو ثلث البنية التحتية الإنتاجية في إفريقيا (من أصل 640 وحدة)، ويرى الوزير أن البلاد باتت تملك المؤهلات اللازمة لتصدير أدويتها نحو أسواق إفريقية وعربية وآسيوية.
وسيساهم تصدير الأدوية الجزائرية في:
- تعزيز صورة الجزائر كقطب صناعي صيدلاني إقليمي.
- تحفيز الاقتصاد الوطني من خلال جلب العملة الصعبة.
- وتقاسم الابتكارات الطبية الوطنية مع البلدان ذات الموارد المحدودة.
زيارات ميدانية: الكفاءة المحلية في الميدان
على هامش مراسم وضع حجر الأساس في سطيف، قام الوزير بزيارة ميدانية إلى وحدتين صيدلانيتين ببلدية العلمة:
- فارما إنفست
- مخابر سالم
وقد عاين خطوط الإنتاج ومخابر مراقبة الجودة ومرافق التغليف، مثنيًا على جهود الفرق المحلية التي تسعى لتحقيق الاكتفاء الوطني، مع الالتزام بالمعايير الدولية للجودة (ISO، GMP).
وتسهم هذه المؤسسات بشكل فعّال في بناء صناعة دوائية قوية قادرة على الابتكار والتكوين والتصدير.
منعطف تاريخي
ويمثل هذا المشروع في سطيف بداية عهد جديد للصناعة الصيدلانية الجزائرية، حيث إن إنتاج المواد الأولية محليًا يعزز أمن الجزائر العلاجي، ويخفف الأعباء المالية للاستيراد، ويؤهلها لولوج الأسواق العالمية، وبالتالي هو ليس مجرد خيار اقتصادي استراتيجي، بل خطوة قوية نحو ضمان الحق في الصحة للجميع خاصة مرضى السرطان الذين تعتمد حياتهم على أدوية غالبًا ما تكون باهظة الثمن وصعبة المنال.
الكلمات المفتاحية: صناعة صيدلانية، وسيم قويدري، أدوية، سطيف، السرطان.
إقرأ أيضاً: