صحة جيدة لحياة أفضل

التحدث قبل الولادة؟ عندما يتعلم دماغ الجنين اللغات بالفعل

حرر : د. فيويليتا جوليا بوزيو | دكتورة في الطب
9 أكتوبر 2025

دراسة تكشف أن الطفل قادر على التعرف على لغة أجنبية سمعها في رحم أمه.

هل يمكن حقًا تعلم لغة قبل المجيء إلى العالم؟ تبدو الفكرة وكأنها مأخوذة من قصة خيالية، ومع ذلك فقد أكدها العلم مؤخرًا: دماغ الجنين قادر بالفعل على تسجيل وتمييز أصوات لغة أجنبية. اكتشاف مذهل نُشر في مجلة Communications Biology، يغيّر فهمنا لتطور الدماغ واللغة.

ابتداءً من الثلث الأخير من الحمل، يبدأ الجنين في إدراك الأصوات الخارجية عبر جدار الرحم، اين يصبح صوت الأم، والألحان، ونبرات اللغة علامات مألوفة بالنسبة له.

يقول علماء النفس العصبي: “الدماغ الجنيني ليس صفحة بيضاء، بل يتعلم بالفعل تمييز إيقاعات اللغة وأنغامها”.

ولاختبار هذه الفرضية تابع فريق من الباحثين في علم النفس العصبي ستين امرأة حاملاً ناطقة بالفرنسية. ومن الأسبوع الخامس والثلاثين للحمل، استمعت كل واحدة بانتظام إلى قصة مسجلة بلغتين: الفرنسية (اللغة الأم)، وإما الألمانية أو العبرية، وذلك في أجواء هادئة بواسطة مشغّل MP3 موضوع على البطن، حوالي 25 مرة قبل الولادة.

وبعد أيام قليلة من الولادة استمع الأطفال حديثو الولادة إلى القصة نفسها، ولكن بثلاث نسخ مختلفة:

  • لغتهم الأم،
  • اللغة الأجنبية التي سمعوها قبل الولادة،
  • ولغة ثالثة مجهولة تمامًا.

وراقب العلماء نشاط أدمغتهم باستخدام تقنية غير جراحية تقيس نسبة الأوكسجين في الدماغ. فعندما تنشط مناطق اللغة، يزداد تدفق الدم إليها.

كما كانت النتائج واضحة وهي أن القشرة الصدغية اليسرى وهي منطقة رئيسية مسؤولة عن فهم اللغة أظهرت نشاطًا قويًا ليس فقط تجاه اللغة الأم، بل أيضًا تجاه اللغة الأجنبية التي سمعها الجنين في رحم أمه. أما اللغة الجديدة تمامًا فقد أثارت استجابة أضعف بكثير.

تُظهر هذه التجربة قدرة الدماغ الجنيني المذهلة على التكيّف، إذ يستطيع التعرف على البنى الصوتية للغة ما قبل الولادة. ويكفي بضعة أسابيع من التعرض للأصوات لتشكيل الدوائر العصبية المرتبطة باللغة. بعبارة أخرى يتأقلم دماغ الطفل مع ما يسمعه حتى وإن لم يفهم المعنى بعد.

كما تؤكد هذه النتائج أهمية البيئة الصوتية داخل الرحم فالجنين لا يسمع الكلمات بشكل واضح، لكنه يحتفظ بالإيقاعات والنبرات والأنغام، وهي العناصر التي ستشكّل لاحقًا الأساس لبناء فهمه اللغوي.

لا يتعلق الأمر بـ”دروس لغات قبل الولادة” كما يوضح العلماء فليس من الجدوى تشغيل تسجيلات للقواعد أو المفردات للجنين. لكن الدراسة تُبرز أهمية الكلام والموسيقى أثناء الحمل. فالتحدث أو الغناء أو القراءة بصوت عالٍ للجنين يُحفّز حواسه ويساهم في تطوره العاطفي.

  • ينصح الأطباء والقابلات بالتواصل مع الجنين ابتداءً من الثلث الثالث للحمل.
  • تجنّب الأصوات القوية أو الطويلة، لأن سمع الجنين حساس جدًا.
  • يُفضَّل استخدام الأصوات المألوفة واللحظات الهادئة.
  • القراءة، والأغاني الهادئة، والموسيقى اللطيفة تساعد على الاسترخاء وتعزيز الرابط العاطفي بين الأم وطفلها.

يعتزم الباحثون متابعة هؤلاء الأطفال لعدة سنوات لمعرفة ما إذا كانت هذه الحساسية المبكرة تؤثر فعلًا على تعلم اللغات لاحقًا. وربما يتمكن أولئك الذين تعرضوا للغة ثانية قبل الولادة من تعلمها بسهولة أكبر في المستقبل؟ الزمن كفيل بالإجابة. أما في الوقت الحالي تؤكد هذه الدراسة شيئًا واحدًا فالدماغ البشري جاهز للتعلم حتى قبل الولادة.

ربما تكون كل كلمة، وكل أغنية تُهمس في بطن الأم، أول درس في الحياة.

الكلمات المفتاحية: طفل؛ لغة؛ دماغ؛ رحم؛ تعلم؛ طبي.

إقرأ أيضاً: