صحة جيدة لحياة أفضل

الإفراط في إستخدام المبيدات الزارعية يرفع معدل الإصابة بالسرطان

حرر : رانية رفاد | صحفية
2 مايو 2025

كشف رئيس اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان، عدة بونجار، عن أسباب زيادة انتشار سرطان البنكرياس في الجزائر. وأوضح بونجار، خلال ندوة صحفية نظمتها اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان ومكافحته، بفندق الجزائر، أن استعمال الفلاحين للمبيدات لتسريع الإنتاج وحماية المنتوج من الحشرات، هو السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان “البنكرياس”.

كما ودعا رئيس اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان، إلى ضرورة استعمال المبيدات في المنتوجات الفلاحية بنسب قليلة وبمعايير محددة. وأضاف “هناك تنسيق بين اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان مع وزارة الفلاحة والفلاحين لتحسيسهم حول استعمال هذه المبيدات”.

وأكد المتحدث ذاته، على ضرورة تغيير النظام الغذائي والرجوع إلى النظام القديم واستخدام الخضر والفواكه في الأطباق.

في عالمٍ يتسارع فيه الإنتاج الزراعي لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء، لجأ الإنسان إلى حلول صناعية لحماية محاصيله من الحشرات والآفات. كان من أبرز تلك الحلول المبيدات الحشرية، التي وُجدت في البداية كأداة لحماية الأمن الغذائي. غير أن هذه المواد الكيميائية، ومع مرور الزمن، بدأت تُثير أسئلة مُقلقة تتعلق بصحة الإنسان وسلامة البيئة. فهل تحولت هذه “الحماية” إلى تهديد صامت؟ وماذا نأكل فعليًا عندما نُعد طبقًا صحيًا من السلطة الطازجة؟

رغم أن المبيدات صُممت في الأصل لحماية المحاصيل الزراعية من الآفات والأمراض، فإن استخدامها المفرط أصبح اليوم مصدر قلق صحي متزايد. فهذه المواد الكيميائية لا تتبخر ولا تختفي بعد الرش، بل تبقى عالقة على سطح الخضر والفواكه، أو تتغلغل داخلها، لتنتقل في النهاية إلى موائدنا دون أن نلحظ ذلك.

ليست كل الخضروات متساوية في امتصاص المبيدات. فأوراق الخضروات الطرية مثل السبانخ والخس تُعد من أكثر الأنواع تعرضًا لتراكم المبيدات، بسبب طبيعة أوراقها الرفيعة وسطحها الكبير المكشوف. كذلك، الخضروات الجذرية مثل الجزر تمتص المواد الكيميائية من التربة مباشرة، ما يجعلها عرضة للتلوث من الأعماق.

قد يُفاجأ البعض بأن البصل، الذي لا نغسله غالبًا بشكل دقيق، يُعتبر من الخضروات الأكثر قدرة على امتصاص المبيدات. فالبصل ينمو داخل التربة ويتفاعل باستمرار مع العناصر الموجودة فيها، بما في ذلك المبيدات التي تُرشّ لحماية الزراعة من الحشرات والفطريات.

بحسب ما نقلته المجلة البيئية Mon Jardin & ma Maison، فإن تركيبة البصل الفيزيولوجية تجعله شديد القابلية لامتصاص المواد الكيميائية، وهو ما يزيد من مخاطر تلوثه، خاصة عندما لا يُغسل جيدًا قبل الاستخدام.

يشير الخبراء إلى أن استهلاك الخضروات الملوثة بالمبيدات بشكل متكرر يمكن أن يؤدي إلى تراكم هذه المواد في الجسم، مما يُسبب مشاكل صحية خطيرة على المدى الطويل، مثل اضطرابات في الجهاز العصبي، ومشاكل في الكبد والكلى، بل وحتى زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.

الخبر السار هو أنه يمكن التقليل من هذه المخاطر باتباع بعض النصائح العملية، ومنها:

  • غسل الخضروات جيدًا تحت الماء الجاري.
  • نقع الخضروات في محلول من الماء والخل أو بيكربونات الصوديوم لعدة دقائق، ثم شطفها جيدًا.
  • اختيار المنتجات العضوية التي تقل فيها نسبة استخدام المبيدات أو تُستبدل ببدائل طبيعية.
  • نقع الخضروات في خليط من الماء والخل الأبيض أو بيكربونات الصوديوم لعدة دقائق.

كثيرٌ من الناس يعتقدون أن غسل الخضروات بالماء يكفي للتخلص من المبيدات. ولكن الحقيقة العلمية تُشير إلى أن بعض هذه المواد تخترق سطح الخضار لتستقر داخلها. وهنا تكمن الخطورة: المبيدات لا تزول بالماء وحده، لا سيما في أنواع معينة من الخضروات والفواكه التي تمتصها بكفاءة عالية.

بحسب تقارير صحية ودراسات بيئية، فإن بعض الخضروات والفواكه تكون أكثر عرضة لامتصاص المبيدات، لأسباب تتعلق ببنيتها النباتية وطريقة نموها. في مقدمة هذه الأنواع نجد:

  • الخضروات الورقية مثل السبانخ والخس: ذات أوراق رقيقة وكبيرة تسهل تراكم المبيدات عليها.
  • الخضروات الجذرية مثل الجزر والبطاطا: تنمو تحت التربة وتمتص المبيدات من خلالها.
  • البصل: وهو مفاجأة للكثيرين، إذ يُعتقد أنه “مغلف بطبقات تحميه”، إلا أن جذوره الممتدة في التربة تجعله عرضة لامتصاص المركبات الكيميائية. وغالبًا ما يُستهلك دون غسيل دقيق، مما يزيد من احتمالات التعرّض المباشر للمبيدات

المشكلة لا تتعلق فقط بتناول كميات صغيرة من المواد الكيميائية، بل بالتراكم التدريجي لها في الجسم مع مرور الوقت. بعض هذه المبيدات قد تكون مسرطنة، وأخرى قد تسبب اضطرابات هرمونية أو تؤثر على الجهاز العصبي. وفي حالات معينة، يمكن أن تكون مسؤولة عن مشاكل في الخصوبة أو أمراض الكبد والكلى.

الأطفال، والنساء الحوامل، وكبار السن، يُعتبرون من الفئات الأكثر حساسية لتأثيرات هذه المواد، ما يجعل الموضوع أكثر إلحاحًا وضرورة للتدخل.

تُعد الزراعة العضوية من الحلول المثلى لتقليل التعرض للمبيدات، إذ تعتمد على أساليب طبيعية في مكافحة الآفات، كالاعتماد على الحشرات النافعة أو استخدام مواد طبيعية مثل الكبريت أو الزيوت النباتية. غير أن هذه المنتجات غالبًا ما تكون مرتفعة الثمن، مما يجعلها غير متاحة لجميع الشرائح الاجتماعية.

تكمن الخطورة الحقيقية في قلة الوعي المجتمعي حول هذه القضايا. فمعظم الناس لا يدركون أن طبق الخضار الذي يبدو صحيًا قد يكون ملوثًا بمواد ضارة. كما أن ضعف الرقابة على استخدام المبيدات في بعض البلدان يجعل الوضع أكثر تعقيدًا، خاصة في الأسواق المفتوحة أو المحاصيل المجهولة المصدر.

في النهاية، لا يمكن إنكار أهمية المبيدات في حماية الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي، لكن استخدامها يجب أن يكون محسوبًا ومراقبًا. لا بد من تطوير بدائل أكثر أمانًا، وتشديد الرقابة، ورفع مستوى التوعية لدى المستهلكين. فالصحة لا تُقدَّر بثمن، و”الوقاية خير من العلاج” ليست مجرد عبارة تقليدية، بل ضرورة يومية تضمن سلامتنا وسلامة من نحب.

الكلمات المفتاحية : المبيدات، خطر ، صحة ، حماية ،  الوعي المجتمعي، سرطان البنكرياس