بعد أكثر من ثلاث سنوات من النقاشات المكثفة، تجاوزت الدول الـ194 الأعضاء في منظمة الصحة العالمية خطوة حاسمة، حيث اعتمدت يوم الثلاثاء في جنيف اتفاقًا دوليًا حول الوقاية، الاستعداد، والاستجابة للجوائح، فيما يهدف هذا النص إلى تصحيح الثغرات التي ظهرت خلال أزمة كوفيد-19، والتوقع بشكل أفضل لحالات الطوارئ الصحية العالمية المستقبلية.
خطوة تاريخية بعد ثلاث سنوات من المفاوضات
ورحب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور ”تيدروس أدهانوم غيبريسوس” بهذا التقدم واصفًا إياه بـ«التقدم الكبير»: «هذا الاتفاق هو انتصار للصحة العامة والعلم والتعاون الدولي، أين سيمكننا من حماية البشرية بشكل أفضل من التهديدات الوبائية المستقبلية.»
رد مباشر على دروس جائحة كوفيد-19
هذا وقد أحدثت جائحة كوفيد-19 اضطرابًا عميقًا في أنظمة الصحة، وزادت من الفوارق الاجتماعية، وعرقلت الاقتصاد العالمي. إذ تم تسجيل أكثر من 7 ملايين وفاة رسميًا، في حين تأثر مئات الملايين بشكل مباشر أو غير مباشر، لذا يسعى الاتفاق المعتمد إلى منع تكرار سيناريو مماثل.
ينص الاتفاق على إنشاء تنسيق دولي أكثر سرعة وتنظيمًا على كافة المستويات: الكشف، التواصل، تبادل البيانات، الاستجابة الصحية، وتوفير الأدوات الطبية.
التزام قوي بالعدالة الصحية
يتضمن هذا المعاهدة مبدأ أساسيًا في جوهرها وهو الوصول العادل إلى أدوات الصحة في أوقات الجائحة. ويشمل ذلك اللقاحات، العلاجات، الفحوص التشخيصية، معدات الحماية، والتقنيات الأساسية.
وأثناء جائحة كوفيد-19، انتقدت العديد من دول الجنوب احتكار الدول الغنية للقاحات وعدم المساواة في التوزيع، ولأجل ذلك يهدف الإطار القانوني الجديد إلى إنشاء آليات تضامن وتوزيع عادل، ليُعترف بالمنتجات الحيوية كسلع عامة عالمية.
مراقبة متكاملة: نهج “صحة واحدة”
وفي جانب أساسي آخر من الاتفاق هو تعزيز المراقبة متعددة القطاعات للمخاطر الصحية على المستوى العالمي، يكرس الاتفاق نهج “صحة واحدة” الذي يربط بشكل مباشر صحة الإنسان والحيوان والبيئة، وهو النهج المهم للغاية، إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن 70% من الأمراض الناشئة لدى الإنسان مصدرها الحيوانات (الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان). من خلال دمج المراقبة البيطرية والبيئية والبشرية، يتيح النص استجابة أشمل وأسرع للتهديدات البيولوجية الجديدة، بما في ذلك المرتبطة بالتغير المناخي.
مفاوضات صعبة حول البيانات والمنافع
لم تمر عملية اعتماد هذه المعاهدة دون صعوبات، إذ واجهت المفاوضات قضايا حساسة، خاصة فيما يتعلق بـ:
- تبادل المعلومات الجينية عن العوامل الممرضة الناشئة.
- التوزيع العادل للمنافع الناتجة عن الأبحاث (براءات الاختراع، اللقاحات، الابتكارات).
- احترام السيادة الوطنية، خصوصًا في إدارة البيانات الصحية.
وكشفت هذه النقاشات عن توترات بين دول الشمال والجنوب، وأيضًا بين منطق الصحة العامة، المتطلبات الاقتصادية، وقضايا الملكية الفكرية.
تنسيق مع الآليات المعمول بها
ويجب أن يتناغم الاتفاق المعتمد مع الإصلاحات الجارية في اللائحة الصحية الدولية وهي أداة أخرى أساسية لمنظمة الصحة العالمية لإدارة الأزمات الصحية عبر الحدود، أين سيحدد نجاح هذا التنسيق فعالية النظام العالمي للأمن الصحي.
خطوة إلى الأمام لكن الطريق لا يزال طويلاً
بينما تؤسس هذا المعاهدة نموذجًا جديدًا للحوكمة الصحية العالمية، يبقى تطبيقها الفعلي تحديًا. فعلى كل دولة موقعة ترجمة هذا الالتزام إلى سياساتها الوطنية وهو الاستثمار في أنظمة الصحة، دعم البحث العلمي، تعزيز قدرات المراقبة، والالتزام الحقيقي بالعدالة.
عهد تضامن عالمي للصحة
يمثل هذا الاتفاق نقطة تحول في الدبلوماسية الصحية الدولية، ويعكس وعيًا جماعيًا بأن الصحة لا تعرف حدودًا، وأنه لا يمكن مواجهة الكوارث الصحية العالمية إلا من خلال استجابات منسقة وعادلة ومتضامنة.
ويبقى الآن مراقبة تطبيقه على أرض الواقع لضمان ألا يكون مجرد كلام على ورق، فالتاريخ سيحكم على الدول ليس بناءً على وعودها، بل بناءً على أفعالها الحقيقية لحماية حياة الإنسان.
الكلمات المفتاحية: الصحة؛ العالمية؛ منظمة الصحة العالمية؛ الجينات؛ اللقاح؛