
وُلد في 26 جويلية 2025 في ولاية أوهايو (الولايات المتحدة الأمريكية) الطفل “ثاديوس دانيال بيرس” وهو مولود غير عادي خاصة وأنه نتاج جنين مجمد منذ عام 1994. وهذه هي أطول فترة حفظ جنيني مسجلة قبل ولادة حية، إذ يمثل هذا الحدث تقدماً مذهلاً في مجال الطب التناسلي، ويطرح تساؤلات حول الحدود البيولوجية والتقنية والأخلاقية والاجتماعية للتلقيح الصناعي (المساعدة الطبية على الإنجاب).
فهم حفظ الأجنة بالتبريد
حفظ الأجنة بالتبريد يعني تجميد الأجنة عند درجة حرارة منخفضة جداً، عادةً عند -196 درجة مئوية في النيتروجين السائل. هذه العملية توقف تماماً كل النشاط الخلوي، بحيث يكون الجنين في “توقف بيولوجي” حرفياً، والهدف منها هو الحفاظ على سلامته الجينية والبنائية والوظيفية دون تدهور لمدة غير محددة.
تستخدم طريقتان:
- التجميد البطيء وهو أقدم وقد يؤدي أحياناً إلى تكوين بلورات ثلجية قد تتلف الخلايا.
- التجميد السريع وهو أحدث ويُجرى بسرعة فائقة لتجنب تكون البلورات، مما يضمن بقاء الجنين على قيد الحياة بشكل أفضل عند فك التجميد.
وفي حالة “ثاديوس” تم تجميد الجنين بطريقة التجميد البطيء عام 1994، مما يجعل بقاءه على قيد الحياة أمراً أكثر تميزاً.

قابلية بقاء جنين مجمد لمدة ثلاثة عقود
حتى الآن كانت الغالبية العظمى من الأجنة التي أُعيد زرعها بنجاح هي أجنة مجمدة لفترات تتراوح بين بضعة أشهر إلى عدة سنوات، أين أظهرت الدراسات أن مدة التجميد لا تؤثر بشكل مباشر على جودة الجنين، طالما أن شروط التخزين تبقى مستقرة ومعقمة، فالخلايا الجنينية لا تتقدم في العمر ما دامت مجمدة، وطالما أن البيئة تحت السيطرة يمكن الحفاظ على الجنين إلى أجل غير مسمى.
مع ذلك تعتمد قدرة الجنين على النجاة بعد فك التجميد على عدة عوامل على غرار الحالة الأولية للجنين، جودة تقنيات التجميد، وخاصة ظروف النقل والاستقبال في الرحم.
حمل تحقق بفضل التبني عن طريق الأجنة المجمدة
تم تخصيب الجنين بواسطة التلقيح الصناعي في عام 1994 لزوجين وُلدت لهما فتاة في نفس السنة، إذ تم الاحتفاظ بالأجنة المتبقية، كما هو معتاد بعد التلقيح الصناعي. وبعد سنوات وبعد طلاق وتأملات أخلاقية عميقة قررت الأم البيولوجية ” ليندا آرتشرد” عدم تدمير هذه الأجنة، بل لجأت إلى برنامج التبني عن طريق الأجنة المجمدة.
وتم اختيار الزوجين المتبنيين” ليندسي” و”تيم بيرس” اللذين عانيا من العقم بعد سبع سنوات من المحاولات الطبيعية، من خلال وكالة “نايتلايت كريستيان أداپشنز” الرائدة في هذا النوع من التبني، أين تم نقل الجنين إلى رحم “ليندسي” دون تعديل جيني أو تدخل خاص، فيما مرّت فترة الحمل بشكل طبيعي رغم أن الولادة كانت صعبة.
شقيق بيولوجي رغم عقود الزمن
ويشارك الطفل 100% من حمضه النووي مع الأخت البيولوجية التي وُلدت من نفس التلقيح الصناعي عام 1994، ما يجعله أخًا جينيًا رغم أنه وُلد بعد 30 عامًا. وأكدت تحاليل الحمض النووي هذا الرابط يبرز هذا جانبًا رائعًا في الطب التناسلي وهو أن الجنين يظل “خارج الزمن” بيولوجيًا طالما بقي محفوظًا بالتبريد. من جهتها قالت “ليندا آرتشرد” الأم البيولوجية: «يشبه ابنتي عندما كانت رضيعة وكأنني أعيش ذكرى مجمدة».
ما هو مستقبل ملايين الأجنة المجمدة؟
يُقدّر وجود ملايين الأجنة المجمدة حول العالم خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. ويثير مصيرها تساؤلات أخلاقية كبيرة:
- هل يجب تدميرها إذا لم تُستخدم؟
- هل يمكن التبرع بها للأبحاث أو لأزواج آخرين؟
- ماذا يحدث إذا توفي المتبرعون البيولوجيون؟
- هل يمكن اعتبار هذه الأجنة “احتمالات لأطفال” لها حق أخلاقي في الوجود؟

تداعيات نفسية واجتماعية
هذا النوع من الولادة يحمل أيضاً تبعات نفسية طويلة الأمد على الطفل:
- كيف يعيش حقيقة أنه تم تكوينه قبل والديه المتبنيين؟
- ما مكانه ضمن الأخوة الجينيين؟
- أي قصة عائلية يمكن أن ينقلها؟
وينصح علماء النفس المتخصصون في مسارات المساعدة الطبية على الإنجاب بضرورة دعم مبكر للوالدين والطفل في بناء هويته.
إنجاز علمي وتحدٍ أخلاقي
لا تمثل هذه الحالة الاستثنائية ظاهرة عامة، لكنها تُظهر أن الحدود البيولوجية للإنجاب يمكن تجاوزها بالتكنولوجيا. ومع ذلك تُذكّرنا بأن العلم والأخلاق يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب.
تقول الدكتورة “أمينة أومزيان” طبيبة أمراض نساء ومتخصصة في الخصوبة في عيادة تيزيري: “كل ولادة هي انتصار للحياة، لكنها أيضاً نداء للمسؤولية.”
الكلمات المفتاحية: المساعدة الطبية على الإنجاب؛ الصحة؛ الطفل؛ الولادة؛ البيولوجي؛ الأجنة؛ المجمدة؛ الحفظ بالتبريد.
إقرأ أيضاً: