سواء ظهرت كحل لمشكلة الشيخوخة أو كبديل علاجي للعديد من الأمراض، أصبحت الخلايا الجذعية منذ عدة سنوات محط اهتمام الباحثين في علم الأحياء كما أنها تثير أحلام الجمهور.
بعض هذه الخلايا تتميز بخاصيتين تجعلانها ذات أهمية كبيرة في البحث العلمي: قدرتها على التجدد الذاتي والتمايز إلى أي نوع آخر من خلايا الجسم، فما هي بالضبط التطورات التي تتيحها الخلايا الجذعية في مجال الطب؟ وما هي حدودها؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، حظيت مجلة “صحتي، حياتي” بشرف إجراء مقابلة مع أحد أبرز الباحثين العالميين في مجال الخلايا الجذعية، البروفيسور إردال كاراوز.
البروفيسور ”إردال كاراوز” هو بروفيسور في كلية الطب بجامعة سليمان دميريل، قسم قسم علم الأنسجة وعلم الأجنة ، وباحث ومؤسس مركز الأبحاث والتطبيقات في الخلايا الجذعية والعلاجات الجينية في جامعة كوجالي.
كما أنه باحث ومؤسس أيضًا لقسم الخلايا الجذعية في معهد العلوم الصحية بجامعة كوجالي، وهو حاصل على شهادة من كلية الطب بجامعة هارفارد، مركز جوسلين للسكري في بوسطن/الولايات المتحدة.
وقد شغل البروفيسور العديد من الأدوار الأكاديمية في مختلف المعاهد والكليات والجمعيات العلمية، بالإضافة إلى كونه عضوًا في المجلس العلمي للتحرير والنشر في مجلات علمية وطنية ودولية مفهرسة، وهو مؤلف للعديد من المنشورات العلمية والكتب المتخصصة.
”صحتي ، حياتي ”: ما هي زراعة الخلايا الجذعية وكيف تعمل؟ ( جمع الخلايا ، الزرع..)
أولاً، أريد أن أعبِّر عن سعادتي الكبيرة لوجودي هنا في الجزائر، وإنه لشرف عظيم أن أكون معكم، في الواقع لقد عملت في هذا المجال لمدة 24 عامًا، وخلال السنوات العشر الماضية، قمت بتأسيس أول عيادة للطب التجديدي في تركيا ومركز إنتاج الخلايا الجذعية بنظام GMP في مستشفى ليف. تكمن أهمية الخلايا الجذعية في علاج الأمراض التي لا يمكن علاجها بالطرق الطبية التقليدية حتى الآن، مثل أمراض التنكس العصبي، وأمراض المناعة الذاتية، وفشل الأعضاء، هذه الأمراض تشترك في خاصية “فقدان الخلايا الوظيفية في الأنسجة أو الأعضاء”، مثل مرض الزهايمر، حيث تفقد خلايا الدماغ العاملة، ومرض باركنسون الذي يؤدي إلى فقدان الخلايا العصبية الدوبامينية، ومرض السكري من النوع الأول حيث يتم فقدان الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس. لا يوجد خيار علاجي لهذه المشاكل، سواء كان دواءً أو جراحة، ولهذا السبب نستخدم العلاج بالخلايا الجذعية، لأنها قادرة على إصلاح الأعضاء المتضررة مثل الدماغ، البنكرياس، الكبد، والقلب.
نقوم بعزل الخلايا الجذعية من مشيمة الطفل حديث الولادة أو أنسجة الحبل السري. ويجب إنشاء نظام GMP لضمان سلامة الخلايا من أي تلوث بكتيري قد يشكل خطرًا على المرضى، وبعد عزل هذه الخلايا، نقوم بزراعتها وإجراء اختبارات مراقبة الجودة مثل التحليل الميكروبيولوجي وقياس التدفق الخلوي، وبعد اجتياز جميع هذه الاختبارات، نستخدم هذه الخلايا في علاج المرضى.
هل هناك معايير لاختيار المتبرعين بالخلايا الجذعية؟
شكرا جزيلا على هذا السؤال الجميل، إنها نقطة مهمة لاختيار الجهات المانحة الجيدة، كما قلت نحن نستخدم فقط الحبل السري أو أنسجة المشيمة للأطفال حديثي الولادة، قبل جمع هذه المادة البيولوجية من الأطفال حديثي الولادة، نقوم بعزل الخلايا الجذعية في ظروف GMP، ثم نبدأ في زراعتها، وفي نهاية هذا العملية، يتم إجراء سلسلة صارمة من اختبارات مراقبة الجودة التي تتضمن فحوصات دقيقة، وبناءً على هذه النتائج، نقرر ما إذا كانت الخلايا الجذعية تلبي المعايير اللازمة لاستخدامها في علاج مرضانا
في أي حالات يتم اللجوء إلى زراعة الخلايا الجذعية ولأي مؤشرات؟ (الأمراض التنكسية العصبية، أمراض القلب، الأنسجة العضلية وغيرها)
شكرًا على سؤالك. حاليًا، نركز جهودنا على مجموعة واسعة من الاضطرابات ،وخلال السنوات العشر الماضية، عالجنا بنجاح أكثر من 10 آلاف مريض، مع التركيز بشكل أساسي على الأمراض التنكسية العصبية، أين تُعالج اضطرابات مثل الشلل الدماغي بشكل أفضل عند المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين صفر وخمس سنوات. أما بالنسبة لاضطرابات طيف التوحد، فقد أظهر بروتوكولنا نتائج واعدة لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات. نشارك أيضًا في علاج إصابات النخاع الشوكي، حيث نختار الحالات غير الكاملة بعد فحص التصوير بالرنين المغناطيسي. يتم إعطاء حقن الخلايا الجذعية وفقًا لبروتوكول محدد باستخدام طرق إدارة مختلفة. بعد انتهاء العلاج، يخضع المرضى للعلاج الطبيعي وعلاجات تكميلية أخرى.
أما فيما يتعلق بأمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد والتصلب الجهازي ، فقد أظهرت خلايانا الجذعية القدرة على منع أو إبطاء تقدم هذه الأمراض، مما يحسن من جودة حياة المرضى. ومع ذلك، من المهم أن نوضح أن النتائج قد تختلف من مريض لآخر.
وكيف يمكن استخدامها في مجال العلاج الجيني؟
هناك الكثير من المشاكل الوراثية، وربما جميع أنواع الاعتلال العضلي والضمور العضلي وضمور عضلة بيكر والاعتلال العضلي الخلقي وهي الاضطرابات المرتبطة بالوراثة، ولهذا السبب لا يوجد خيار لعلاج هذا النوع من المشاكل، ولدينا بذلك خيار واحد فقط وهو العلاج الجيني، ولدينا بعض الأساليب الحالية للعلاج الجيني على غرار تقنية ” كريسبر ” التي لا تزال قيد التطوير وتكلفتها مرتفعة ، وعلى الرغم من أن التجارب السريرية جارية لأمراض مثل ضمور العضلات الشوكي من النوع الأول، فإن هذه العلاجات ما زالت باهظة الثمن.ولمواجهة هذا التحدي، نستخدم حاليًا الخلايا الجذعية كبديل، وهدفنا الرئيسي هو تقليل تطور الاضطرابات الجينية مثل فشل العضلات والمشاكل الجينية الأخرى. وقد لاحظنا نتائج إيجابية باستخدام الخلايا الجذعية، مما يوفر للمرضى حياة أكثر راحة ويساهم في تقليل آثار هذه المشكلات، ورغم أنه في المستقبل يُحتمل الجمع بين الخلايا الجذعية والعلاج الجيني، إلا أن هذا يبقى مجالًا يجب استكشافه.
ما هي الآمال والتحديات المرتبطة باستخدام الخلايا الجذعية في علاج مرض السكري؟
يميز السكري بين نوعين، حيث يعتبر السكري من النوع الثاني هو الأكثر شيوعًا، والسكري من النوع الأول، المعروف أيضًا باسم سكري الشباب، ويرتبط هذا النوع من السكري بمشكلة مناعية ذاتية حيث تهاجم الخلايا المناعية الخلايا المنتجة للأنسولين في بنكرياس المريض. حاليًا، تعتبر حقن الأنسولين هي الخيار الوحيد للأطفال المصابين بهذا الاضطراب.وبالنسبة للأنواع الأخرى من السكري، مثل السكري من النوع الثاني و سكري الشباب الناضجين، الذي لا يرتبط بهجمات مناعية ذاتية، يمكن استخدام الخلايا الجذعية للوقاية من المضاعفات المرتبطة بمستويات السكر العالية.وفي حالة السكري من النوع الأول، يمكن أن يساعد زراعة الخلايا الجذعية في تقليل أو إيقاف هجمات الخلايا المناعية، مما يوفر المزيد من الوقت لهؤلاء المرضى قبل الحاجة إلى حقن الأنسولين.
وبالنسبة للسكري من النوع الثاني، تُستخدم الخلايا الجذعية بشكل رئيسي لتجنب المضاعفات الناتجة عن مستويات السكر العالية، على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة مع الهجمات المناعية الذاتية، فيما قد يجلب المستقبل أيضًا تقدمًا، مثل اللقاح القائم على الحمض النووي الريبوزي أو أشكال أخرى من العلاج المناعي الخلوي.
ما هي الدول الرائدة في أبحاث الخلايا الجذعية وتطبيقاتها السريرية؟
لسوء الحظ، في الوقت الحاضر الكثير من الناس لا يصدقون الخلايا الجذعية. في الواقع، هذه ليست علاقة بل هذا هو العلم، وإذا تمكنت من الاطلاع عليها في PubMed وهو محرك بحث مجاني أو المنشورات العلمية، فسوف تتمكن من العثور على الكثير من المقالات المتعلقة بالخلايا الجذعية، لكن التطبيق السريري صعب في الواقع، ويجب أن أكون صادقًا لأننا في بلدي نستخدم هذا البروتوكول وبعض الدول الأوروبية على غرار ألمانيا وربما إيطاليا بالاضافة الى كوريا الجنوبية التي لديها الكثير من الخبرة، فيما تعمل الهند في هذه المجالات، ناهيك عن بعض دول أمريكا الجنوبية مثل بنما وتشيلي والأرجنتين ونوع من العيادات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع ذلك، من الضروري تبني نهج أخلاقي وصادق عند استخدام هذه البروتوكولات للمرضى، فإن الوعود المبالغ فيها والادعاءات بأن الخلايا الجذعية ستحل جميع المشاكل هي مضللة، ومن الضروري إبلاغ المرضى بشكل صحيح عن الفوائد الحقيقية والحدود لهذه العلاجات، حيث إن علم الخلايا الجذعية يعتمد على أسس قوية.
ما هي التحديات والنجاحات والمخاوف الرئيسية؟
أنت كمؤسس ومدير مركز أبحاث الخلايا الجذعية في جامعة كوجالي، ما هي التحديات والنجاحات الرئيسية التي واجهتها؟
أنشأت أول برنامج دكتوراه وماجستير في الخلايا الجذعية في تركيا في هذه الجامعة، وفي عام 2015 وصلت إلى إسطنبول حيث قمت بقيادة القطاع الطبي في مستشفى ليف كمدير لقسم الخلايا الجذعية والطب التجديدي، وخلال هذه الفترة، اكتسبت المعرفة من خلال المشاركة في ورش عمل في جامعة هارفارد وتأسيس مركز بحثي بالإضافة إلى عيادات.وعلى مدى السنوات العشر الماضية، طورت خبرة كبيرة في مجال الخلايا الجذعية. ومع ذلك، أظل مدركًا أننا لا زلنا نملك الكثير لنتعلمه في المستقبل.وسيتطور الطب الحديث نحو دمج تقنيات متنوعة مثل هندسة الأنسجة والعلاجات الجينية ثلاثية الأبعاد ونظام تصنيع الأنسجة والعضويات ، وأنا مقتنع بأن هذه التقدمات ستلعب دورًا حاسمًا في الطب المستقبلي، سواء في التطبيقات الجراحية أو في نماذج العلاج الدوائي، وكمثال ملموس على تطبيقات الخلايا الجذعية حدث خلال جائحة كوفيد-19، ففي بداية الأزمة، ومع مواجهة مريض مصاب في حالة حرجة، قررنا استخدام الخلايا الجذعية بسبب خصائصها المضادة للالتهابات والمناعية، وبعد أربع عمليات زرع، أظهر المريض الذي كان مريضًا بشدة في البداية تعافيًا ملحوظًا. قادنا هذه النجاح إلى إجراء عمليات زرع خلايا جذعية لأكثر من 500 مريض في تركيا مصابين بكوفيد-19 وفي حالة حرجة.
كيف أثرت شراكتك مع كلية الطب بجامعة هارفارد على أبحاثك ومساهماتك في مجال العلاج الجيني وهندسة الأنسجة؟
في عام 2005، أتيحت لي الفرصة للالتحاق بجامعة هارفارد ، أين قادني اهتمامي بالخلايا الجذعية إلى هذه المؤسسة المرموقة، حيث كنت أفتقر في بداية دراساتي السريرية إلى معلومات معمقة حول هذا الموضوع، وخلال إقامتي في هارفارد، تمكنت من تعميق معرفتي من خلال حضور الدورات التعليمية وتعلم تقنيات متقدمة، مثل طريقة زراعة البنكرياس في الفئران.كانت هذه التجربة في جامعة هارفارد مُثرية، حيث سمحت لي باكتساب مهارات عملية والانغماس في مجال الخلايا الجذعية. عند عودتي إلى تركيا، استنادًا إلى هذه التجربة، أسست أول مركز بحث وتطوير في البلاد مخصص للخلايا الجذعية، حيث ساهم هذا المركز في تقدم البحث والمعرفة في مجال الخلايا الجذعية في تركيا.