قامت دار نشر جامعة أكسفورد (Oxford University Press)، الناشر للموسوعة المرجعية للغة الإنجليزية، بتسمية مصطلح “brain rot” ككلمة العام 2024، وعلى الرغم من ترجمته الحرفية إلى “التعفن الدماغي”، فإن هذه العبارة تصف الآثار الضارة على الصحة العقلية لمستخدمي الإنترنت نتيجة الاستهلاك المفرط للمحتويات منخفضة الجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، ورغم أن المصطلح لا يتطابق مع مرض طبي معترف به رسميًا، إلا أنه يعكس تدهورًا مفترضًا في حالة الأفراد العقلية، خصوصًا أولئك الذين يتعرضون لفترات طويلة لمحتويات قليلة التحفيز، كما أن الاستخدام المتزايد لهذا المصطلح من قبل مستخدمي الإنترنت يدعونا للتفكير في آثار الإفراط في الاستهلاك الرقمي.
ويعتبر اعتبارها ظاهرة تؤثر على شريحة واسعة من الناس خصوصًا الشباب، الذين يقضون وقتًا طويلاً في التمرير على هواتفهم.
تعريف حسب أكسفورد
تعرف جامعة أكسفورد مصطلح “brain rot” بأنه “التدهور المفترض في الحالة العقلية أو الفكرية لشخص ما، خصوصًا نتيجة الاستهلاك المفرط للمحتويات التي تعتبر تافهة أو قليلة التحفيز، لا سيما على الإنترنت”، كما يشير هذا المصطلح أيضًا إلى الأنشطة أو المحتويات التي قد تسبب هذا التدهور، وهو يرتبط بشكل خاص باستهلاك الفيديوهات والمنشورات المتكررة التي تفتقر إلى الإثراء على وسائل التواصل الاجتماعي مثل Instagram وTikTok وYouTube.
أحد أعراض عصرنا
يشير أندرو بريزبيسكي (Andrew Przybylski)، أخصائي علم النفس وأستاذ في جامعة أكسفورد، إلى أن انتشار مصطلح “brain rot” هو انعكاس لعصرنا الحالي، ووفقًا له، فإنه يجسد بشكل مثالي آثار الإفراط في استهلاك المحتويات الرقمية التي تُعتبر غالبًا غير محفزة فكريًا، مما يؤثر سلبًا على الصحة العقلية للمستخدمين خاصة بين الشباب، وبالتالي يصبح “brain rot” أحد أعراض إدماننا للمحتويات السريعة والسهلة الاستهلاك، التي لا تتطلب تفكيرًا عميقًا، كما أنه بالنسبة لبريزبيسكي فهو ظاهرة متجذرة في العالم الحديث، حيث يتناقص زمن انتباه الأفراد باستمرار.
عبارة قديمة بمعنى جديد
على الرغم من أن العبارة تبدو حديثة ومرتبطة بشكل مباشر بوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن جذورها تعود إلى القرن التاسع عشر، أين كان الفيلسوف الأمريكي هنري ديفيد ثورو (Henry David Thoreau) في كتابه “والدن” (Walden) أول من تناول مفهوم “التعفن الدماغي”، وكان ”ثورو” ينتقد بالفعل ميل المجتمع إلى الابتعاد عن الأفكار العميقة والجهود الفكرية، وذلك قبل ظهور التكنولوجيا الحديثة ، كما كتب: “بينما تقاتل إنجلترا للقضاء على تعفن البطاطا، من الذي سيهتم بتعفن الدماغ، الذي هو أكثر انتشارًا وخطورة؟”
زيادة شعبية المصطلح

وفي عام 2024، شهد استخدام مصطلح “brain rot” زيادة كبيرة، حيث ارتفع بنسبة 230% مقارنة بالعام السابق، وترتبط هذه الشعبية بشكل مباشر بالقلق المتزايد بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمحتويات الرقمية منخفضة الجودة، ووفقًا لـ Oxford Languages قائلين : “لاحظ خبراؤنا أن العبارة قد اكتسبت شهرة لوصف القلق المتزايد المرتبط بتأثير استهلاك المحتويات الرقمية المفرطة التي تفتقر للتحفيز”. وتلاحَظ هذه الظاهرة بشكل خاص في المناقشات حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على رفاهية المستخدمين.
فكاهة غير تقليدية ووعي متزايد
أما بالنسبة للعديد من المستخدمين الشباب، لا يُنظر إلى المحتويات الموصوفة بـ “brain rot” بشكل سلبي، بل تُعتبر شكلًا من الفكاهة غير التقليدية أو وسيلة للتعبير عن نوع من التنفيس أمام الاستهلاك المفرط للمحتوى، وبالنسبة لهم يمكن اعتبار هذه المحتويات ترفيهًا خفيفًا غالبًا ما يكون سخيفًا، ولكنها توفر فرصة للابتعاد عن القضايا الجادة، كما تُعد ظاهرة “الفكاهة العبثية” أو الـ “ميم” (غالبًا ما تكون مقاطع فيديو كوميدية أو مونتاجات) جزءً لا يتجزأ من تجربة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك رغم الاستخدام غير الرسمي للمصطلح، هناك خلفية من الوعي بالآثار الجانبية السلبية على الصحة العقلية، وهو ما يُلاحظ بشكل خاص في الأجيال الشابة.
تحليل اعتماد المصطلح من قبل الأجيال الشابة
يشير الاهتمام بمصطلح “brain rot” بين الأجيال الشابة، مثل الجيل Z والجيل Alpha، إلى نوع من التأمل الذاتي غير التقليدي، ووفقًا لكاسبر غراتهويل (Casper Grathwohl)، مدير دار النشر Oxford Languages، أنه من المثير للاهتمام كيف اعتمدت هذه الأجيال المبدعة والمستهلكة للمحتوى الرقمي هذا المصطلح، ويقول: “هذا يظهر وعيًا تقريبًا وقحًا بالعواقب السلبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، كما أنها شكل من أشكال السخرية الواعية، حيث يكون الشباب على دراية بالآثار الضارة لسلوكهم الرقمي بينما يقبلونه أحيانًا كنوع من الفكاهة.
“التعفن الدماغي” كظاهرة ثقافية واجتماعية
يتجاوز مصطلح “brain rot” مجرد انتقاد لوسائل التواصل الاجتماعي، أين أصبح نوعًا من الرمزية الثقافية، وطريقة لتسمية تجربة مشتركة في مجتمع أصبح فيه الوصول المستمر إلى الإنترنت، والفيديوهات القصيرة، والمنشورات السريعة، أمرًا طبيعيًا، أما إذا كان المصطلح يُنظر إليه فعلاً كإدانة لتأثيرات التكنولوجيا على أدمغتنا، فإنه يعكس أيضًا قبولًا ضمنيًا لهذه الانحرافات، مع أحيانًا انفصال ساخر تجاه ما هو لا مفر منه.
وعي جماعي
“التعفن الدماغي” ليس مجرد مصطلح نقدي، بل هو أيضًا مؤشر على القلق المعاصر بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإفراط في الاستهلاك الرقمي على الصحة العقلية، كما أنه يعكس وعيًا جماعيًا خاصة لدى الأجيال الشابة، حول الآثار الضارة لاستهلاك مفرط وأحيانًا سطحي للمحتويات. وكأحد الأعراض والظواهر الثقافية في آن واحد، يعتبر تجسيدا للعصر الرقمي الذي نعيشه، حيث تتشابك الفكاهة والتفكير في مخاطر التكنولوجيا.
الكلمات المفتاحية: التعفن الدماغي؛ الفكاهة؛ الإفراط في الاستهلاك؛ الرقمنة؛ العقل؛ التدهور.