صحة جيدة لحياة أفضل

الفيروس الرئوي البشري HMPV: الصين تواجه تحذيرًا صحيًا جديدًا في الشتاء

حرر : د. محمد الطاهر عيساني | دكتور في الطب
4 يناير 2025

بعد خمس سنوات من الصدمة العالمية التي تسببت بها جائحة كورونا COVID-19، تخيم مجددًا مشكلة صحية على الصين، أين يواجه هذا الشتاء البلد عدوًا مجهريًا غير معروف للجمهور العام وهو الفيروس الرئوي البشري HMPV ، الذي يعتبر فيروس تنفسي تتشابه أعراضه مع أعراض الإنفلونزا، في حين يثير هذا السيناريو الشتوي القلق في أوساط السكان المحليين ويجذب انتباه المراقبين الدوليين.

تعود في المستشفيات المزدحمة في المدن الكبرى الصينية المشاهد بشكل مؤلم إلى تلك التي شهدتها عام 2020، مواطنون يرتدون الكمامات، غرف انتظار مكتظة، وطواقم طبية مرهقة، كما تزدحم الشبكات الاجتماعية الصينية التي غالبًا ما تنقل الأخبار، بالفيديوهات والشهادات التي تصف تزايد حالات الإصابة بالأمراض التنفسية.

وتشمل أعراض الفيروس الرئوي البشري HMPV الحمى، السعال، احتقان الأنف، وضيق التنفس، وإذا كانت هذه الأعراض تبقى خفيفة لدى العديد من الأشخاص، إلا أن الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال وكبار السن، معرضة لخطر مضاعفات شديدة مثل الالتهابات الرئوية.

ولا يسيطر هذا الشتاء الفيروس الرئوي البشري HMPV بمفرده، فبجانبه هناك الإنفلونزا الموسمية، عدوى الميكوبلازما (mycoplasmes ) ، وحتى عودة ظهور فيروس COVID-19، كما تجعل هذه الحالة الأمور أكثر صعوبة على الأطباء، حيث يصبح التشخيص والعلاج أكثر تعقيدًا في ظل تنوع هذه الميكروبات.

في مواجهة هذه المخاوف تتبنى السلطات الصينية خطابًا مطمئنًا، أين قالت ”ماو نينغ” المتحدثة باسم وزارة الخارجية، مؤخرًا إن “الإصابات التنفسية تصل إلى ذروتها كل شتاء”، ووفقًا لها فإن الوضع الحالي على الرغم من أنه مقلق، لم يصل إلى درجة خطورة السنوات السابقة.

هذا وقد تم إعادة طرح التدابير الوقائية مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، ولكن دون صرامة إجراءات الإغلاق التي كانت في فترة جائحة COVID، وتؤكد السلطات الصحية على قدرة النظام الصحي الصيني على مواجهة هذه الأزمة الموسمية، بينما تنفي وجود “حالة طوارئ وطنية”.

أما على الصعيد الدولي، تتابع منظمة الصحة العالمية  الوضع عن كثب، وفي بيان نشر مؤخرًا، تبرز المنظمة أهمية “اليقظة المتزايدة” في مواجهة تزايد الإصابات التنفسية، كما تذكّر المنظمة بأهمية المراقبة، والفحص، والتواصل الشفاف للبيانات من أجل منع أي تصعيد صحي.

الفيروس الرئوي البشري HMPV ليس غريبًا على العلم، حيث تم اكتشافه في عام 2001، ويعود هذا الفيروس إلى عائلة الـ Pneumoviridae، وهو قريب من الفيروس المخلوي التنفسي (RSV) والذي ينتقل عبر قطرات التنفس والاتصال مع الأسطح الملوثة، ويمكن أن يبقى نشطًا لعدة ساعات في البيئة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أكثر من عقدين من البحث، لا يزال لا يوجد لقاح أو علاج مضاد للفيروسات محدد متاح، لذا ينصح الخبراء استنادًا إلى توصيات منظمة الصحة العالمية، باتباع تدابير وقائية بسيطة على غرار النظافة الشخصية لليدين، تهوية الأماكن المغلقة، والاهتمام الخاص بالأشخاص الضعفاء.

لا تقتصر تداعيات هذه الوباء الجديد على حدود الصين فقط، ففي عالم كبير، يمكن أن يتسبب أي اضطراب صحي في الصين التي تعد مركزًا اقتصاديًا مهمًا، في حدوث تداعيات عالمية، كما يزيد فصل الشتاء إلى جانب استئناف السفر والتبادلات التجارية، من مخاطر انتشار الفيروس.

وفي الهند والولايات المتحدة وأوروبا، تراقب السلطات الصحية تطور الوضع ، كما أنها جاهزة لتعديل استراتيجياتها إذا لزم الأمر، فالذكريات الحديثة من الفوضى التي أحدثتها جائحة COVID-19 تجعل المجتمع الدولي أكثر يقظة، رغم أن شدة الوباء الحالي تبدو حتى الآن قابلة للسيطرة.

يقدم تصاعد الفيروس الرئوي البشري HMPV في الصين تذكيرًا مهمًا، فمكافحة الأمراض التنفسية لا تزال تحديًا مستمرًا، والفيروسات لا تزال تفاجئ حتى أكثر الناس استعدادًا، وبينما يسعى العالم إلى طي صفحة الجائحة، يبدو أن التاريخ مرة أخرى قد يعيد نفسه.

وفي مواجهة هذه المحنة الجديدة، من المهم أن نجمع بين اليقظة والتضامن والعلم، لتجنب تحول شتاء تحت الضغط إلى أزمة صحية عالمية جديدة.

الكلمات المفتاحية: الفيروس الرئوي البشري ، منظمة الصحة العالمية، اليقظة، الوقاية، الصين، الصحة العامة، الجائحة، التضامن، الالتهابات الرئوية، الفيروس.