قدمت دراسة حديثة دليلاً جديدًا على تفوق الذكاء الاصطناعي (IA) على المتخصصين في الرعاية الصحية في مجال التحليل الطبي، وخاصة في تحليل تخطيط كهربيَّة القلب (ECG) طويل الأمد، وهو الاكتشاف الذي يفتح آفاقًا مثيرة لمستقبل تشخيص الأمراض القلبية.

 تخطيط القلب طويل الأمد: أداة رئيسية لتشخيص الرجفان الأذيني

في إطار الكشف عن أمراض القلب مثل الرجفان الأذيني (عدم انتظام ضربات القلب)، الدوخة، أو الإغماء، قد يصف الأطباء تخطيط القلب طويل الأمد. أين تسمح هذه الاختبارات التي يمكن أن تستمر لعدة أيام، باكتشاف تشوهات دقيقة قد تفوتها اختبارات تخطيط القلب الأقصر التي تُجرى خلال الاستشارات الطبية التقليدية. ومع ذلك يتطلب تحليل هذه الفترات الطويلة من التسجيل اهتمامًا دقيقًا وطاقمًا مؤهلًا للغاية، مثل أطباء القلب أو الفنيين المتخصصين.

 دراسة تقارن بين الذكاء الاصطناعي والخبراء البشريين

في هذا السياق قامت دراسة أجراها مجموعة من الباحثين بتقييم فعالية نموذج ذكاء اصطناعي ليحل محل الأطباء والفنيين في تحليل تخطيط القلب طويل الأمد. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكنه بشكل مستقل، تقديم نتائج موثوقة بل وأفضل من تلك التي يقدمها الخبراء البشريون. حيث نشرت هذه الدراسة في مجلة “Nature Medicine”، فيما أظهرت أن الذكاء الاصطناعي تفوق بشكل كبير على الأداء البشري من حيث دقة وسرعة التشخيصات.

 بيانات الدراسة: عينة كبيرة من المرضى

شملت الدراسة ما مجموعه 14606 مريضًا، قاموا بتسجيل متوسط 14 يومًا من تخطيط القلب، مما يمثل أكثر من 200000 يوم من البيانات التي يجب تحليلها. حيث تم أولاً دراسة هذه التسجيلات من قبل فنيي تخطيط القلب، وفقًا للبروتوكولات السريرية القياسية. بعد ذلك تم تحليل نفس البيانات باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي “DeepRhythmAI”، المصممة خصيصًا لهذه المهمة من قبل شركة MEDICALgorithmics، وهي شركة بولندية متخصصة في التكنولوجيا الطبية.

 مقارنة دقيقة مع أطباء خبراء

لتقييم أداء الذكاء الاصطناعي قام الباحثون باختيار أكثر من 5000 حالة من حالات اضطرابات نظم القلب بشكل عشوائي وتم تحليلها بدقة نبضة بنبضة، من قبل 17 لجنة من الأطباء الخبراء من جميع أنحاء العالم. أين قدم هؤلاء الخبراء الذين كان معظمهم من أطباء القلب وأخصائيي الفيزيولوجيا الكهربية، تشخيصات مرجعية عالية الجودة، والتي استخدمت كأساس لمقارنة تفسير الذكاء الاصطناعي لتخطيط القلب مع تفسير الأطباء.

 النتائج: الذكاء الاصطناعي أكثر موثوقية من الأطباء الخبراء

وكانت النتائج مذهلة، إذ قلل الذكاء الاصطناعي عدد التشخيصات الفائتة لاضطرابات نظم القلب الشديدة بمقدار 14 مرة مقارنة بالأطباء. وفي الواقع فقط 0.3% من تخطيطات القلب التي تم تحليلها بواسطة الذكاء الاصطناعي أدت إلى تشخيص خاطئ، مقارنة بـ 4.4% بالنسبة للفنيين والأطباء البشريين. وهذا الاختلاف يسلط الضوء على فعالية الذكاء الاصطناعي في اكتشاف التشوهات القلبية الخطيرة، حتى في الحالات المعقدة حيث يمكن أن يحدث الخطأ البشري.

 إمكانية لمعالجة نقص الكوادر الصحية

أشارت ليندا جونسون إحدى مؤلفي الدراسة، إلى مشكلة رئيسية في نظام الرعاية الصحية العالمي: نقص الكوادر الصحية. أين هناك حوالي 15 مليون وظيفة شاغرة في القطاع الطبي على مستوى العالم، مما يؤدي إلى تأخيرات كبيرة في العلاج واختناقات في الرعاية. أما في حالة تخطيط القلب المتنقل، يمنع هذا النقص في الكوادر المؤهلة التحليل السريع والفعال للبيانات، مما قد يعيق التشخيص المبكر لأمراض القلب.

هذا وقد أظهرت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر حلاً لهذه المشكلة، فمن خلال تلقائية تحليل تخطيط القلب، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسمح بزيادة كبيرة في عدد الاختبارات التي يتم إجراؤها ومع تقليل فترات الانتظار للمرضى. كما يمكن لأطباء القلب بعد الكشف التلقائي عن التشوهات بواسطة الذكاء الاصطناعي، التركيز على الحالات الأكثر تعقيدًا وإجراء فحوصات متعمقة، مما يحسن من استخدام وقتهم وخبراتهم.

 تشخيصات أسرع وأقل تكلفة، ولكن مع متطلبات أداء عالية

يقدم الذكاء الاصطناعي العديد من المزايا، بما في ذلك التشخيصات الأسرع والأقل تكلفة. أين يمكن لاستخدام خوارزمية عالية الأداء أن يقلل من التكاليف المرتبطة بتوظيف العديد من الفنيين المتخصصين، مع زيادة قدرة المستشفيات والعيادات على معالجة البيانات. ومع ذلك لكي يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا وفعالًا حقًا، يجب تصميمه بمستويات أداء عالية للغاية. حيث يجب أن تكون الخوارزمية قادرة على اكتشاف جميع اضطرابات نظم القلب الشديدة دون أخطاء تشخيصية (سلبيات كاذبة)، مع تقليل الإيجابيات الكاذبة، أي الحالات التي يفسر فيها الذكاء الاصطناعي اضطرابًا قلبيًا بسيطًا على أنه خطير.

 مستقبل الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي

تُظهر هذه الدراسة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يغير تحليل تخطيط القلب طويل الأمد، مما يجعل التشخيصات القلبية أسرع وأكثر دقة ومتاحة لعدد أكبر من المرضى. أين يعتقد الباحثون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة رئيسية لمواجهة تحديات نقص الكوادر الصحية وتحسين الكفاءة العامة للرعاية.

إذا استمر الذكاء الاصطناعي في التطور، فقد يصبح قريبًا عنصرًا مركزيًا في المستشفيات والعيادات، مما قد ينقذ العديد من الأرواح من خلال الكشف المبكر عن أمراض القلب الخطيرة.

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي؛ تخطيط القلب؛ طبي؛ صحة؛ تشخيص؛ قلبي؛