صحة جيدة لحياة أفضل

الملل الوظيفي: عدو العمال غير المرغوب فيه

حرر : زهير زايد | صحفي
26 سبتمبر 2022

لقد  اصبح الملل الوظيفي اليوم عدوا للموظفين المتفانين والمخلصين لعملهم، فبالرغم من كونه ما يزال موضوعا لا يرغب بالتحدث عنه في الطب المهني ونادرا ما يتم  تغطيته من قبل وسائل الاعلام. وقد قام كل من الاستشاريين السويسريين بيتر ويردر وفيليب روتلين رواد الدراسة حلو الملل الوظيفي بتعريفه على النحو الآتي ” الارهاق النفسي الذي يسببه الملل أثناء العمل.”

وهي ترجمة عن الكلمة التعبير الانجليزي bore-out  وهو تعبير مشتق عن كلمة boredom  أي “الملل” الذي من شأنه أن يكون سببا في الاضطرابات العقلية الحادة كالاكتئاب أو الانتحار. ويعرف هذا الاخير أيضا بـ” متلازمة الارهاق الوظيفي الذي يسببه الملل” كما جاء في موقع journaldunet.fr

ما هي الأسباب المؤدية للشعور بالملل الوظيفي؟

يعتقد ما يقارب 30%   من العمال أنهم مصابون بالملل الوظيفي لكن في الحقيقة %6 فقط منهم من يعانون منه فعلا، وهذا ما صرح به الدكتور “فرونسوا بومان” في كتابه ’Epuisements, comment lutter contre les fatigues du quotidien’’ الصادر عن دار النشر Josette بليون سنة 2017. بصفة عامة الأسباب التي تؤدي للشعور بالملل الوظيفي هي :

– ضرورة اعادة تنظيم أقسام : يعد النموذج الاقتصادي التكيفي الذي تعتمده الشركات أحد أسباب المؤدية للشور بالملل الوظيفي.

فهو عبارة تغيير وظيفة العمال  مما يجعلهم يشعرون بالتقليل من شانهم وهم يتولون أعمال من غير تخصصهم. هؤلاء العمال المهمشين يتولد لديهم  نوع من القلق الذي يؤدي لشعور بالملل الوظيفي.

–  قلة العمل: فعندما يحس الموظف أنه غير فعال في شركته يزيد لديه الشعور بالملل.

– عدم التطور في الوظيفة:  إن الركود الذي يشعر به الموظف نتيجة عدم قيامه بأي إنجاز مهني يكون سببا في الملل، لأن الموظف الذي لا يحصل لا على دورات تدريبية ولا على ترقيات كالتي يحصل عليها من هم أقل كفاءة منه.

– المهام المهنية الروتينية : والتي يقوم بها دون لا يعتبرها قيمة وذات مردودية للشركة.

– الإهمال والتجاهل: وذلك عن طريق نبذه من قبل زملائه حيث لا يتم استدعاءه في الاجتماعات، ونادرا ما يكون ممثلا في النشاطات المهنية. وهذا ما يعد نوع من أنواع الهجر والعزل الذي يؤدي للملل والوحدة. كما قد تكون له عواقب مرضية، علاوة على ذلك فقد صرح أحد الأطباء النفسيين أن هذه الممارسة هي بمثابة تحرش أخلاقي يتعرض له الموظف في عمله.

الأعراض والعواقب

يتضح ملل العمل من خلال عدة علامات بما في ذلك الاحباط والقلق والانزعاج والعزلة والشعور بالذنب والحزن. ولكن الأهم من ذلك أنه يمكن الكشف عنه من خلال حدوث اضطرابات الجسدنة وما يسببه من أرق و اضطراب في النوم والصداع النصفي والأكزيما والاسهال بالإضافة الى اضطرابات الدورة الشهرية وآلام الحوض عند النساء.

وتم تحديد أربعة تداعيات ناتجة عن ملل العمل وهي فقدان الروح المعنوية وجلد الذات واكتئاب البطالة. وقد أكدت دراسة أجراها المعهد الوطني للبحث والسلامة في فرنسا INRS أن انتشار الحالات المرضية لأمراض القلب والأوعية تكون أعلى بـ 2.5 مرة بين الموظفين اللذين يعانون من الملل الوظيفي، والذي قد يؤدي بصاحبه للانتحار.

صعوبة التشخيص

قد يكون التشخيص صعبا في البداية خاصة وأن الأشخاص المصابين يتجنبون الشكوى ويقنعون أنفسهم أن أهم شيء هو الحصول على مهنة مهما كانت مملة. اذ يتبنون فكرة “أن الوظيفة المملة  أفضل من البطالة.” يكون الموظف المصاب بالملل الوظيفي في بداية أيام عمله يتسم بالحزم والرزانة ثم يبدأ تدريجيا بالشعور بثقل الأيام اللامتناهية ويضاعف عدد استراحاته خلال العمل كما يدمن على شرب القهوة مما يجعل مردوده الوظيفي أقل كفاءة.

وهذا ما يجعله يتخلى عن أهدافه بشكل تدريجي، تاركا بذلك كل التحديات التي وضعها للوصول الى أهدافه المهنية والتي أرادها بشدة. ضف الى ذلك نقص الأطباء النفسانيين- في الكثير من الأحيان- ضمن هياكل الصحة المهنية التي تضعها الشركة المعنية. وبالتالي يكون التشخيص من قبل طاقم التمريض لتقديم الحلول المناسبة.

طريقة العلاج

أولا، التشخيص بالملل الوظيفي: يكون  للعلاج أن يكون  أكثر فعالية اذا شعر الموظف بأعراض الملل الوظيفي وقام بسرد معانته لأحد زملائه في العمل والذي سينصحه بزيارة الطبيب المهني خاصة وأن الأمر يبدو غير طبيعي .

ثانيا، التوجه الى مصلحة الطب المهني: على العامل الذي يعاني من الملل الوظيفي التوجه الى مصلحة الطب المهني دون الخوف من كشف أعراضه على المصالح المختصة (طبيب العمل، الطبيب النفسي أو الطبيب العام) لإجراء التشخيص والكشف على مصدر الملل. وتعد هذه الخطوة جوهرية في تحديد نوع الرعاية الازمة ما اذا يجب أن تكون على الصعيد النفسي أو على صعيد آخر خاصة وأن الطب المهني يحمي الموظف من الناحية القانونية والصحية. كما يجب أن يتابع المريض جالسات العلاج النفسي المحددة من قبل الطبيب المختص. كما يتوجب عليه التوقف عن العمل بشكل فوري في حالة ظهور أعراض الملل الوظيفي المتعارف عليها قبل أن تبلغ ذروتها.

ثالثا، تدخل  صاحب العمل: في المرحلة الثالثة يأتي دور صاحب العمل للتدخل. حيث يكون العلاج الموصي به قابلا للتطوير جماعيا ، وذلك بالتعاون مع مدير العمل او مدير الموارد البشرية. فمن  خلال الاتصال بين هذه الجهات المختلفة الفعالة يتم تحديد الأسباب الجذرية للملل. ويستحسن عليهم بعد ذلك إظهار تقديرهم لمجهودات هذا الموظف وذلك  من خلال تشجيعه شفهيا أو رمزيا أو إرسال بريد إلكتروني محفز.  في حالة الفشل ، يتم تشجيع العامل الذي يعاني من الممل للعثور على وظيفة أخرى ، سواء داخل شركته أو في أي مكان آخر. فأهم شيء هو الشعور بالفائدة والرضا عن نفسه.

المزايا العديدة للرعاية الصحية الجيدة

 بالنسبة لمدير الهيئة المستخدمة:  ان الرعاية الصحية الجيدة للموظف الذي يعاني من الملل الوظيفي يضمن استمراره في وظيفته وبالتالي لا يعرض استقرار الشركة للاضطراب. بالإضافة الى عدم خسارته لموظف كفء كان ضحية للظلم المهني في فترة اصابته بالملل الوظيفي فقط.

 بالنسبة للموظف: هنالك حلول فعالة تسمح له بالمحافظة على مكانه في العمل الذي كافح من أجله واتقن أساليبه. وهذا ما سيمنع معانته من عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي الذي ينتج عن تغييره لوظيفته أو الأسوأ بحثه عن وظيفة جديدة. خاصة وأن هذا الاخير سيصعب عليه ايجاد بيئة مهنية مماثلة لتلك السابقة بنفس المزايا والأجر والمهام المطلوبة منه قبل ان يكون ضحية الملل الوظيفي.

تنويه

 لا ينبغي الخلط بين الملل الوظيفي والاحتراق النفسي المهني

 إذا كان الملل الوظيفي ناتج عن قلة العمل فإن الاحتراق النفسي و الذي يعتبر بدوره اضطرابا عقليا يكون سببه التعب المهني فهو عكس الملل الوظيفي ينتج من عبء العمل الزائد. أعراضه هي: التعب الدائم ، آلام الظهر ، الأرق ، الصداع النصفي ، آلام المعدة ، الالتهابات المتكررة ، إلخ. كما يمكن أن يؤثر على الصحة  النفسية أيضًا وذلك عن طريق  الفراغ عاطفي، القلق بجميع أشكاله ، الحساسية الزائدة ، العزلة ، مشاكل في التركيز وعدم وجود الدافع بالإضافة الى  الشعور بفقدان.

ز.ز

مقالات في نفس الموضوع