صحة جيدة لحياة أفضل

فرط الحركة عند الأطفال ADHD   ــ دراسة حالة ـــ   

حرر : بولقمح نزيهة | دكتوراه في علم النفس
23 يونيو 2022

جاءني إلى الفحص النفسي، طفل يبلغ من العمر 4 سنوات وثمانية أشهر، نسميه ‘أحمد” برفقة أمه وأخته الرضيعة ذات الستة أشهر وقد لاحظت خلال الجلسة أنه يلعب بطريقة عنيفة فهو يأخذ اللعبة التي على شكل رسوم متحركة ويذبحها بالمسطرة قائلا ‘” يجب أن تموتي وإلا..” ثم يضربها بشدة بالمسطرة، فظننت بأنه متأثر بما يشاهده في التلفاز من هذه الرسوم المتحركة، لذا أخرجت ألعابا أخرى غير معروفة وبدأت أشارك في اللعب لألفت انتباهه وأنا أقول (أنا أحبك يا صديقي هيا نلعب معا) فترك أحمد ألعابه وأخذ ما بيدي من ألعاب قائلا (وأنتم يجب عليكم الموت)، كررت العملية فوجدت نفس النتيجة.

وقد أقرت الأم بأن أحمد لا يحتفظ أبدا بألعابه، ودائما ما يتلفها، وبأنه طفل عنيف وعدواني يعاني من فرط الحركة وتشتت الانتباه في المدرسة، وأنها هي من لاحظت بأن ابنها غير طبيعي مقارنة بآخرين، كما أنها أخذته لطبيب مختص ووصف له الأدوية المثبطة، ومعلمته في المدرسة أيضا تشتكي دائما من سلوكه وعناده وعدوانيته مع الأطفال بالإضافة لفرط حركته وعدم رغبته في التعلم.

إن الأم تخاف على ابنتها من احمد لأنه يحاول أن يؤذيها ويضربها، وتشتكي من غيرته الشديدة، فقد كان طبيعيا تماما في البداية، خاصة أنها حضرته نفسيا لوجود أخته إلا أنه تراجع بعد ذلك. لقد طلبت منه رسم عائلة صغيرة فبقي مركزا على رسمه وأنا أشجعه من حين لآخر. وبعد تحليل الرسم وجدت بأن الزوجين ليسا على وفاق، فقد رسم كل شخص على حدة ولون وجه والده بلون أحمر داكن، ورسم أخته الرضيعة فوق رأس أمه، أما هو فقد رسم نفسه تحت طاولة وعندما سألته أين هو أجاب ( راهو تحت الطابلة راه يلعب غميضة مع خالتو) والتي هي اكثر شخص يسمع كلامه. بعد توضيح معطيات الرسم للأم انفجرت بالبكاء وصرحت بأنها تعيش في الفقر والحرمان وبأنها تتعرض للعنف من الزوج أمام أطفالها، مما يجعلها تتعامل بعنف مع طفلها وتعاقبه بالضرب وتحرمه من اللعب خارج البيت، فأصبح المتنفس الوحيد لأحمد هو القسم، فلم يستطع الانضباط هناك خاصة أن الظروف السائدة في المدرسة لاتسمح للمعلمة بضبط سلوكه.

نشير ونؤكد بأن اضطراب فرط الحركة المصحوب بتشتت الانتباه ADHD يتم تشخيصه بعد ملاحظة جملة من الأعراض تتمثل في عدم قدرة الطفل على الجلوس في مكانه لممارسة أي نشاط مثل الأكل ومشاهدة التلفاز أو متابعة الدرس مع المعلم، الميل إلى الاندفاع والركض المستمر دون تعب، الحركة الدائمة والمستمرة حتى في حالة النمو، نقص التركيز وتشتت انتباهه، وأهم ملاحظة أن هذه الأعراض تتكرر وتكون نفسها في أي مكان يقصده الطفل، كما نلاحظ بأن شدة هذه الأعراض تزداد بتقدم الطفل في العمر حتى يبلغ سن السابعة، دون أن ننسى حاجة الطفل الطبيعية إلى اللعب والجري والقفز… وبأن ظروف التمدرس الموجودة في بلدنا لا تتوفر على أدنى شروط الصحة النفسية، مع الهوس الكبير الذي يعاني منه الأولياء لتعليم أولادهم منذ السن المبكر (أربع سنوات تحضيري؟؟؟)، دون الحديث عن تأثير الرسوم المتحركة التي يشاهدها الطفل لساعات طويلة بصفة يومية وللأسف الشديد أغلب هذه الرسوم ذات محتوى عنيف وعدواني وغير تربوي.

وبالتالي ينبغي أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار قبل التفكير في تشخيص اضطراب فرط الحركة، وإذا توفرت كل المعطيات اللازمة للتشخيص فهناك إرشادات علاجية للأسر لمساعدة الطفل على التأقلم والتكيف مع وضعه (مثل ممارسة الرياضة ويفضل لو تكون رياضة السباحة أو رياضة تتطلب نشاطا بدنيا عاليا مثل كرة القدم، وكرة السلة.. إلخ ورياضة أخرى تتطلب الهدوء والتركيز على دقة الحركات (مثل الرياضة القتالية).، كما ينصح بتدريب الطفل على الأشغال اليدوية، والرسم، وتجنب انتقاده الدائم والمباشر وتوبيخه أمام الآخرين.

د.ن.بوالقمح

مقالات في نفس الموضوع