صحة جيدة لحياة أفضل

هل أنت حساس للتغيرات الجوية؟ 

حرر : د. سليم بن لفقي | باحث في علوم الأعصاب
5 ديسمبر 2024

يفضل معظم الناس الطقس المشمس على الطقس الممطر، وللأسف تؤثر التقلبات المناخية بشكل كبير على الصحة النفسية لدى البعض، وقد تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب الشتوي إذا لم يكن الطقس جيدًا، مما يضر برفاههم البدني والنفسي. 

أن تكون حساسًا للطقس يعني أن التغيرات المناخية تؤثر على حالتك المزاجية وبالتالي على صحتك البدنية، وإذا كان الطقس الكئيب يجعلك حزينًا بينما تضيء الشمس يومك، فمن المحتمل أنك من بين هؤلاء الأشخاص، لكن لا داعي للقلق فهذا أمر طبيعي فجسمنا يتفاعل باستمرار مع البيئة، كما أننا نحن جميعًا حساسون للطقس بدرجات متفاوتة، وعلى الرغم من أن الانتقال إلى فصل الشتاء يمكن أن يؤثر على أي شخص بغض النظر عن العمر أو الجنس، إلا أن هناك عوامل خطر تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لتطوير الأعراض. 

وبالنسبة لبعض الأشخاص، يمكن للانتقال من فصل الخريف والشتاء أن يسبب مشكلات صحية متنوعة، نتيجة انخفاض كمية الضوء الطبيعي، كما قد يؤدي انخفاض التعرض لأشعة الشمس إلى اضطراب الإيقاع اليومي للجسم وانخفاض مستويات السيروتونين (ناقل عصبي مرتبط بالمزاج)، مما يسبب ظهور أعراض الاكتئاب مثل التعب، وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، واضطرابات النوم، كما أن النساء والمراهقون والأشخاص الذين لديهم تاريخ من الاكتئاب أو اضطرابات المزاج، وكذلك الأفراد ذوو نمط الحياة المستقر أو الذين يعانون من العزلة الاجتماعية، هم الأكثر تأثرًا. 

تؤثر تقلبات الضوء بشكل مباشر على حالتنا المزاجية، فالضوء الطبيعي يلعب دورًا مهمًا في ضبط ساعتنا الداخلية والعديد من العمليات البيولوجية، مثل النوم وتنظيم الهرمونات،  فعندما تمطر يؤدي انخفاض الضوء إلى تقليل إفراز السيروتونين، وهو هرمون أساسي للشعور بالراحة، كما أن غياب الضوء يمكن أن يؤدي إلى حالات اكتئاب وشعور عام بعدم الارتياح.

الإيقاعات اليومية هي دورات بيولوجية تدوم حوالي 24 ساعة، والتي تنظم العديد من العمليات في الجسم، بما في ذلك النوم ودرجة حرارة الجسم والمزاج وإنتاج الهرمونات، وتتأثر هذه الإيقاعات بشكل كبير بالضوء، خصوصًا ضوء الصباح. 

  • تأثير الضوء على الإيقاع اليومي: 

  الضوء الطبيعي هو العامل الخارجي الأساسي (المنبه البيئي) الذي يساعد في مزامنة ساعتنا البيولوجية الداخلية، فضوء الشمس خصوصًا في الصباح، يُرسل إشارات إلى الدماغ ليبدأ اليوم بحيوية ويستعد للأنشطة، كما أن قلة الضوء في فصل الشتاء قد يعرقل هذه العملية، مما يؤدي إلى اختلال في الإيقاعات اليومية، وهو ما قد يسبب اضطرابات في النوم والمزاج والطاقة. 

  • دور الميلاتونين: 

  ضوء الشمس يثبط إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون تنتجه الغدة الصنوبرية وينظم النوم، و في الشتاء ومع قصر النهار وانخفاض كمية الضوء، قد يزيد إنتاج الميلاتونين خلال النهار، مما يؤدي إلى الشعور بالنعاس المفرط والتعب، كما أن زيادة الميلاتونين خلال النهار قد تفسد دورة النوم والاستيقاظ، مما يجعل النوم ليلا أكثر صعوبة ويزيد من أعراض الاكتئاب. 

ضوء الشمس له تأثير مباشر أيضًا على إنتاج السيروتونين، وهو ناقل عصبي مهم في تنظيم المزاج والعواطف والرفاهية العامة. 

  • السيروتونين والمزاج: 

يحفز في الصيف ضوء الشمس على إنتاج السيروتونين، والذي يُطلق عليه غالبًا “هرمون السعادة” لأنه يساعد في تثبيت المزاج، وتحسين الدافعية، وتعزيز الشعور بالراحة ، وفي الشتاء يؤدي انخفاض التعرض لضوء الشمس إلى انخفاض إنتاج السيروتونين، مما قد يؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب، مثل الحزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، كما أن انخفاض مستويات السيروتونين قد يزيد من القلق واضطرابات النوم. 

  • العلاقة بين السيروتونين وفيتامين D:

يعتبر ضوء الشمس ضروريًا أيضًا لإنتاج فيتامين D في الجسم، وعلى الرغم من أن فيتامين D معروف بشكل أساسي بدوره في صحة العظام، إلا أنه يلعب دورًا مهمًا في تنظيم المزاج، وقد ارتبط نقص فيتامين D بظهور أعراض الاكتئاب، وتشير العديد من الدراسات إلى أن انخفاض مستوى فيتامين D خلال فصل الشتاء (عندما يقل التعرض لأشعة الشمس) قد يفاقم أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي (TAS). كما يساعد فيتامين D على تنظيم إنتاج السيروتونين في الدماغ، وبالتالي فإن انخفاض مستوياته قد يكون عاملاً مساهمًا في الاكتئاب الموسمي. 

  • العلامات الجسدية 
  • التعب العام: يمكن للتقلبات المناخية أن تسبب شعورًا مستمرًا بالتعب، مما يجعل الأنشطة اليومية أكثر صعوبة. 
  • اضطرابات النوم:  يمكن لتغيرات الحرارة والضوء أن تؤثر على النوم، مما يؤدي إلى الأرق أو نوم غير هادئ. 
  • الصداع: قد تؤدي بعض الظروف الجوية، مثل الضغط الجوي، إلى حدوث صداع لدى الأشخاص الحساسين. 
  • صعوبات التنفس:  قد يعاني بعض الأشخاص من مشاكل في التنفس، بما في ذلك نوبات الربو، التي تتفاقم بسبب ظروف مثل الرطوبة أو التلوث. 
  • العلامات النفسية 
  • حالة الاكتئاب والانهيار: يمكن لتغيرات الطقس أن تثير مشاعر الحزن أو الاكتئاب، خاصة في الأيام الرمادية. 
  • التفكير المفرط: قد يميل الأشخاص الحساسة للطقس إلى التفكير المفرط في الأفكار السلبية، التي تتفاقم بسبب الطقس غير الملائم. 
  • الإرهاق العقلي: قد تؤدي التقلبات المناخية إلى انخفاض في التركيز والوضوح العقلي، مما يؤدي إلى شعور بالإرهاق العقلي. 

  من الضروري التعرف على هذه العلامات لإدارة تأثير الطقس على رفاهنا بشكل أفضل.

تستكشف علوم الأعصاب كيفية تفاعل دماغنا مع التغيرات المناخية وتأثيرها على سلوكنا ورفاهنا، كما تؤثر التغيرات في الإضاءة ودرجة الحرارة على إفراز النواقل العصبية مثل السيروتونين، الذي ينظم المزاج، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي انخفاض الضوء الطبيعي إلى حالات اكتئابية وقلق، بالإضافة إلى ذلك ينشط التوتر الناتج عن الأحداث المناخية المتطرفة استجابات بيولوجية عصبية تؤثر على صحتنا النفسية.

كما أن فهم هذه الآليات يساعد في تطوير طرق لتخفيف التأثيرات السلبية للطقس على رفاهنا النفسي، ومن خلال دمج هذه المعرفة، يمكننا تقديم الدعم الأفضل لأولئك الذين يعانون من حساسية الطقس.

من الممكن تمامًا الحفاظ على مزاج جيد حتى في الطقس الرمادي، إليك بعض الاستراتيجيات الفعّالة: 

  • الاستفادة من الضوء الطبيعي: 

  اعرض نفسك للضوء الطبيعي لمدة ساعة على الأقل يوميًا، كما أن ممارسة النشاط البدني مثل المشي، هي طريقة مثالية لتعزيز هذا التأثير وفقًا لتوصيات الأطباء النفسيين. 

  • استخدام مصباح العلاج بالضوء: 

  استثمر في مصباح علاج بالضوء بقوة 10 آلاف لوكس ، أين يمكن أن يحسن التعرض اليومي لمدة 30 دقيقة مزاجك بشكل كبير. 

  • الالتزام بإيقاع نومك: 

  حافظ على مواعيد منتظمة للنوم والاستيقاظ، فالنوم الجيد أساسي لرفاهك العام. 

  • اتباع نظام غذائي غني بالأوميغا-3: 

  أضف الأطعمة الغنية بالأوميغا-3 إلى نظامك الغذائي، فهذه الأحماض الدهنية الأساسية معروفة بقدرتها على مكافحة الاكتئاب. 

  • احصل على كميات كافية من فيتامين D

  اعتبر تناول مكملات فيتامين D، الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم المزاج والوقاية من الاكتئاب الموسمي.

مقالات في نفس الموضوع