في عالمنا الحديث، الذي يتميز بعدم اليقين والتغيير المستمر، تقدم لنا مارغريت يورسينار (Marguerite Yourcenar) مفتاحاً ثميناً وهو التعلم، حيث تدعونا هذه التأملات التي هي أكثر من أي وقت مضى ذات صلة، إلى اعتبار التعلم بوصلة للتنقل عبر عواصف الوجود، ولذا تستكشف هذه المقالة معكم كيف يمكن أن تحسن هذه النظرة الفلسفية والثقافية صحتنا العقلية ورفاهيتنا العامة.
العواصف الداخلية: واقع إنساني عالمي
” الاضطرابات النفسية” هي حقيقة حتمية للحالة الإنسانية، فالقلق، الندم، الخوف وخيبات الأمل هم رفقاء دائمون، إذ يمكن أن تنجم هذه العواصف عن خسائر مادية، وخيبات عاطفية، أو ظلم اجتماعي، لكنها غالباً ما تُغذى بأفكارنا ومشاعرنا الخاصة.
تجليات الاضطرابات الداخلية
- الشيخوخة وتدهور الصحة: القلق تجاه التدهور الجسدي والعقلي.
- الأرق والقلق: الليالي التي نقضيها بلا نوم، حيث يدوي صدى الفوضى في عقولنا.
- الفقدان والوحدة: غياب حب ضائع وعدم وجود دعم عائلي.
- الظلم الاجتماعي: الإحباط من رؤية الشرف يُداس والعالم يُدمر على يد المجانين.
تُبرز هذه التجليات هشاشة حالتنا وضعفنا في مواجهة تقلبات الحياة.
التعلم: دواء للهموم
في مواجهة هذه الهموم، تقترح ” يورسينار ”علاجًا بسيطًا لكنه عميق وهو التعلم، فالتعلم هو نشاط موثوق، ودواء لا ينفد أبدًا، كما أن المعرفة والحكمة هما موارد لا تنضب، قادرة على تغذية العقل وتقويته في مواجهة المحن.
لماذا نتعلم؟
- المرونة العقلية: يعزز التعلم قدرتنا على مواجهة التحديات من خلال توسيع فهمنا للعالم.
- الهدوء الداخلي: يوفر التعلم ملاذًا ومساحة من الهدوء، حيث يمكن للعقل أن يجد راحة من الهموم.
- الثراء الشخصي: يمكننا السعي وراء المعرفة من اكتشاف آفاق جديدة وتطوير فهم أعمق لذواتنا وللآخرين.
أشكال التعلم:
لا يقتصر التعلم على المعارف الأكاديمية أو التقنية فقط، بل يشمل مجموعة متنوعة من التجارب والتخصصات التي تثري وجودنا بشكل شامل.
الفنون والأدب
- الأدب: قراءة الأعمال الأدبية، مثل تلك التي كتبتها “يورسينار”، والتي تفتح لنا عوالم مختلفة وتتيح لنا استكشاف أعماق الحالة الإنسانية.
- الموسيقى والفنون البصرية: تربطنا بمشاعرنا وتقدم لنا وسائل للتعبير الإبداعي.
الفلسفة والتأمل :
- الفلسفة : تشجعنا على التفكير في القضايا الأساسية وتطوير التفكير النقدي.
- التأمل: تساعدنا هذه الممارسة على تنمية الوعي الكامل وتهدئة العقل.
الانخراط الاجتماعي والمجتمعي
التطوع: الانخراط في الأنشطة المجتمعية يمكننا من رد الجميل للمجتمع والعثور على معنى من خلال مساعدة الآخرين
الحوار والمشاركة: التعلم من تجارب وآراء الآخرين يُثري فهمنا الخاص
في النهاية ..
في عالم دائم الاضطراب، يظهر التعلم كمنارة مضيئة، توجه عقولنا المتألمة نحو شواطئ السكينة والحكمة، تذكرنا ” مارغريت يورسينار ” أنه على الرغم من التحديات وعدم اليقين، فإن السعي وراء المعرفة هو مسعى لا ينضب كونه يُرفعنا ويقوينا.
فلنحتضن هذه الطريق بعزيمة، ولنجعل من كل لحظة تعلم فرصة لنجد فيها راحتنا ونقوي مرونتنا.
الدكتور : م . ط . عيساني