تحضير الأطعمة المعلبة يدويًا في المنزل يعكس رغبة في العودة إلى غذاء أكثر صحة، واقتصادًا واستقلالية. ومع ذلك فإن هذه الممارسة ليست خالية من المخاطر، ومن بين أخطر المخاطر التي تثير القلق البوتوليزم (التسمم السجقي )، وهو تسمم غذائي شديد يسببه سم قوي للغاية تنتجه البكتيريا Clostridium botulinum. وقد كشفت العديد من الحالات السريرية أن المحفوظات المنزلية التي تُحضَّر بشكل غير صحيح تشكل وسيلة رئيسية لنقل هذا المرض الذي قد يكون مميتًا، هذا الارتباط بين ممارسة طهي شائعة ومرض نادر لكنه خطير يستحق اهتمامًا علميًا دقيقًا.
الأطعمة المعلبة يدويًا ..
تشير الأطعمة المعلبة يدويًاإلى الأطعمة المغلقة بإحكام في أوعية (جرار، زجاجات زجاجية أو علب معدنية)، بعد أن تُطهى أو تُعالَج لتمديد مدة صلاحيتها. وعادةً ما تُحضَّر في المنزل وفق تقنيات متوارثة من التقاليد العائلية أو الإقليمية، بهدف الحفاظ على الخضروات، والفواكه، واللحوم أو الأطباق المطهية مع الحفاظ على قيمتها الغذائية وطعمها الأصلي.
البوتوليزم: ما هو؟
البوتوليزم مرض عصبي سام خطير يسببه سم قوي جدًا تنتجه بكتيريا Clostridium botulinum. توجد هذه البكتيريا طبيعيًا في التربة، وقادرة على تكوين أبواغ مقاومة جدًا للحرارة والجفاف والمواد الكيميائية. هذه الأبواغ رغم أنها غير ضارة بحد ذاتها، يمكن أن تنبت وتنتج سم البوتولينوم عند تواجدها في بيئة مناسبة، خاصة عند غياب الأكسجين (الظروف اللاهوائية)، في بيئة قليلة الحموضة، منخفضة الملح، ودرجة حرارة الغرفة، وهي ظروف شائعة في العديد من المحفوظات الحرفية غير المحضرة بشكل صحيح.
ويعمل سم البوتولينوم مباشرة على الجهاز العصبي، حيث يمنع إفراز الأستيل كولين، وهو ناقل عصبي أساسي لانقباض العضلات. هذا الانسداد يؤدي إلى شلل عضلي تدريجي، يبدأ غالبًا من الأعصاب القحفية (العينين، الفم، الحلق) وقد يمتد إلى عضلات التنفس.
الأعراض: متى يجب القلق؟
تظهر الأعراض الرئيسية للبوتوليزم الغذائي عادة بين 6 و36 ساعة بعد تناول الطعام الملوث وتشمل:
- رؤية مشوشة أو مزدوجة
- تدلي الجفون
- صعوبة في الكلام، البلع أو التنفس
دون تدخل سريع قد يسبب السم شللًا تنفسيًا يحتاج إلى جهاز تنفس صناعي، فالبوتوليزم حالة طارئة طبية، وفي حال الشك يجب الاتصال بخدمات الطوارئ فورًا.
الممارسات الصحيحة لتحضير الأطعمة المعلبة يدويًا
الوقاية من البوتوليزم تعتمد على التحكم الدقيق في شروط التعقيم والحفظ ومن أهم التوصيات:
1. استخدام الأوتوكلاف أو جهاز التعقيم بالبخار : بخلاف السلق بالماء المغلي (100°م) الذي لا يكفي لقتل الأبواغ، يسمح الأوتوكلاف بالوصول إلى 121°م تحت الضغط، وهي درجة الحرارة اللازمة لتعقيم الأطعمة قليلة الحموضة بشكل فعال.
2. تحمض الأطعمة: بالنسبة للخضروات أو التحضيرات قليلة الحموضة، يُنصح بإضافة الخل أو عصير الليمون لخفض الرقم الهيدروجيني إلى أقل من 4.6، وهي منطقة غير ملائمة لنمو C. botulinum.
3. النظافة والمعدات
- تنظيف اليدين وأسطح العمل والأدوات والجرار جيدًا
- تبريد سريع وتخزين بعيدًا عن الضوء والحرارة
- تجنب ملء الجرار بشكل مفرط وتنظيف الحواف قبل الإغلاق بإحكام
- تعقيم الجرار والأغطية قبل الملء
- استخدام أغطية مطاطية جديدة في كل مرة
- الالتزام بالمدة ودرجة الحرارة المخصصة لكل نوع من الطعام (لفترات أطول للخضروات قليلة الحموضة مثل الجزر والكوسة والفاصوليا)
4. التخزين: يجب وضع المحفوظات الحرفية في مكان بارد وجاف، وبعد فتحها يجب حفظها في الثلاجة.
متى يجب التخلص من هذه الأطعمة ؟
حتى وإن كان السم غير مرئي، هناك علامات تنذر بالخطر:
- عدم صدور فرقعة عند الفتح (اختلاف الضغط)
- رائحة كريهة أو خروج غاز عند الفتح
- علبة منتفخة، صدئة أو سهلة الفتح جدًا
- مظهر غائم أو رغوي
في هذه الحالات لا يجب التذوق أبدًا بل التخلص منها فورًا، لأن الخطر يفوق بكثير مجرد اضطراب هضمي فالبوتوليزم قد يكون قاتلًا في 5 إلى 10% من الحالات.
الفئات الأكثر عرضة للخطر
الأشخاص الأكثر ضعفًا (الحوامل، الأطفال، كبار السن أو ذوو المناعة الضعيفة) يجب أن يكونوا حذرين جدًا، ومن الأفضل تجنب الأطعمة المنزلية إذا لم يمكن ضمان سلامتها. كما أن المحفوظات الصناعية الخاضعة لمعايير صارمة، توفر ضمانات أكبر.
في حالة التسمم: الاحتفاظ بعينة
إذا تم الاشتباه بتسمم فإن الاحتفاظ بعينة من الطعام المشتبه به يسمح للسلطات الصحية بتحليل المصدر ومنع حالات أخرى.
تحضير الأطعمة المعلبة يدويًا بنفسك يعيد للحياة التقاليد ويتيح الاستمتاع بالطعم الحقيقي للمواسم. ولكن للحفاظ على هذه المتعة هناك قاعدة ذهبية: عدم إهمال السلامة أبدًا، فالتعقيم الفعال، النظافة المطلقة، والتوازن الحمضي المناسب هي الوسائل الوحيدة للوقاية من البوتوليزم، هذا الخطر الخفي لكنه حقيقي، لذا فلنحافظ على الأطعمة المعلبة يدويًا بشغف ولكن بحذر.
“تحضير الأطعمة المعلبة في المنزل ممكن… لكن ليس قبل اتخاذ جميع الاحتياطات”
