صحة جيدة لحياة أفضل

التغلب على الخجل: مسار لاكتشاف الذات دون تغيير الهوية

حرر : يعقوبي جنات | أخصائية علم النفس الإكلينيكي
13 أغسطس 2025

الخجل ليس مرضًا ولا قدرًا محتومًا بل هو آلية عاطفية تتكوّن غالبًا منذ الطفولة لحماية الذات من بيئة يُنظر إليها على أنها مهددة. هذا الانطواء الاجتماعي قد يتحول إلى عائق في الحياة العاطفية أو المهنية أو الدراسية. ومع ذلك يمكن تفكيك الخجل تمامًا من خلال أدوات مناسبة، وعمل تدريجي، وفهم أعمق للذات.

يظهر الخجل في صورة عدم ارتياح اجتماعي، وصعوبة في التعبير أو الظهور في مواقف معيّنة، وغالبًا ما يصاحبه أعراض جسدية: احمرار، ارتجاف، تعرّق، خفقان. لكن خلف هذه العلامات يكمن فرط اليقظة تجاه نظرة الآخرين، والخوف من ارتكاب الأخطاء أو عدم الظهور بالمستوى المطلوب.

الخجل يعمل كحاجز بين الذات والآخرين، مع تغذيه التوقعات السلبية، والخوف من الحكم، وسيناريوهات الفشل، وبالتالي هو ليس قلة في الأفكار أو الكلمات، بل خوف من استقبال الآخرين لها بشكل سيئ.

– صراع داخلي: من منظور التحليل النفسي، يعكس الخجل صراعًا بين رغبة في الاقتراب من الآخرين وخوف من أن يُرى الشخص على حقيقته، بما في ذلك عواطفه وضعفه ونواقصه، وهو ما يُسمّى بالانقسام النفسي الداخلي.

– أسباب متعددة:

  • عوامل أسرية: تربية صارمة، انتقادات متكررة، غياب التشجيع في الطفولة.
  • صدمات اجتماعية: سخرية، إهانات مدرسية، جروح عاطفية غير متجاوزة.
  • عوامل بيولوجية: تشير بعض الدراسات إلى فرط حساسية في الجهاز الحوفي المرتبط بمعالجة الخوف.
  • معتقدات مقيّدة: «أنا غير مثير للاهتمام»، «سيحكمون علي»، «علي أن أكون مثاليًا».

– آثار الخجل

  • الانسحاب الاجتماعي والعزلة التدريجية.
  • التوتر المزمن، خاصة في التفاعلات الاجتماعية.
  • الرقابة الذاتية وصعوبة التعبير عن الاحتياجات.
  • تدنّي تقدير الذات والشعور بعدم الكفاية.
  • فقدان فرص مهمة: في الحديث، والمقابلات، والحياة العاطفية.

الخجل عادة عاطفية، وليس صفة أبدية

1. تحديد المخاوف: تسمية ما تخشاه (النقد، الرفض، الخلاف، الاحمرار) يجعله أكثر وضوحًا وأقل تأثيرًا.

2. التعرض التدريجي: علاج الخجل بالمواجهة لا بالتجنب، عبر خوض مواقف اجتماعية بسيطة ثم زيادتها تدريجيًا (إلقاء التحية، طرح سؤال، إبداء الرأي). هذه الطريقة مثبتة علميًا وتعيد برمجة دوائر الدماغ المرتبطة بالقلق التوقعي.

3. تعزيز تقدير الذات: الاعتراف بالقدرات، والتعامل مع النفس بلطف، والاحتفاء بالتقدم حتى لو كان بسيطًا.

4. اللجوء للعلاج النفسي: مثل العلاج المعرفي السلوكي (TCC) أو علاج حركة العين وإعادة المعالجة ( EMDR ) لإعادة برمجة الاستجابات القلقة والتجارب السلبية، أو التحليل النفسي لفهم الصراع بين الرغبة في التواصل والخوف من الظهور بمظهر الضعف.

رغم أن المجتمع يمجّد الانفتاح والقيادة الكاريزمية، إلا أن الأشخاص الخجولين يمتلكون صفات نادرة:

  • الإنصات العميق وفهم ما بين السطور.
  • حساسية عاطفية عالية.
  • تعاطف وبديهة اجتماعية.
  • قدرة على التركيز والتفكير العميق.

الإبداع كبوابة للانطلاق

كثير من الفنانين والكتّاب أو الباحثين كانوا في السابق أشخاصًا خجولين، أين سمح لهم عالمهم الداخلي الغني بتطوير أشكال تعبير تتجاوز الكلام المباشر من خلال الفن، الكتابة، الموسيق

  • يمكن التغلب على الخجل باستخدام أدوات مناسبة، وبالتحلي بالصبر والاستمرار.
  • الأمر لا يتعلق بأن تصبح شخصًا آخر، بل باستعادة الثقة بالنفس والتوقف عن الرقابة الذاتية.
  • يمكن أن يتحول الخجل إلى مصدر للحساسية والإنصات، بل وحتى لقوة إبداعية.
  • الخجل ليس مرضًا، بل هو أسلوب لحماية المشاعر.
  • يتم تفكيكه من خلال معرفة الذات وممارسة التمارين التدريجية.
  • خلف الخوف غالبًا ما تختبئ جروح قديمة ورغبة صادقة في التواصل.
  • وبالصبر، يمكن أن يصبح الخجل قوة في الملاحظة والحساسية والإبداع.
  • المفتاح ليس أن تصبح منفتحًا، بل أن تتوقف عن كبت نفسك.

الكلمات المفتاحية: الخجل؛ الشخصية؛ الصحة؛ المرض؛ العاطفة؛ الصبر.

مقالات في نفس الموضوع