صحة جيدة لحياة أفضل

هل يجب ارتداء الساعة الذكية دائمًا؟

حرر : : د. سليم بن لفقي | دكتور في علوم الأعصاب
31 مايو 2025

أصبحت الساعات الذكية رفيقة يومية للكثيرين، أين تزداد شعبية هذه الساعات بين الفرنسيين إلى حد أن بعضهم لا يفارقها حتى أثناء النوم. ووفقًا للبيانات أصبح عدد متزايد من الجزائريين يمتلكون واحدة منها فهي تتابع النوم وعدد الخطوات ومعدل ضربات القلب ومستوى التوتر والسعرات الحرارية المحروقة… وتعد بتحسين نمط الحياة بفضل بياناتها اللحظية. لكن هل هذه المراقبة المستمرة مفيدة دائمًا؟

يمكن أن تصبح هذه الأجهزة غير فعالة بسرعة إذا استخدمت بشكل متواصل دون فترات راحة من التكنولوجيا، لذا من الضروري استخدام هذه الأدوات اليومية بشكل أكثر وعيًا.

من بين أحد الانحرافات الأكثر شيوعًا هو الاعتماد المفرط على الأرقام. فتحقيق هدف معين لعدد الخطوات، إتمام حلقة النشاط، تحسين جودة النوم… كلها تحديات قد تصبح مقلقة للبعض.

وينتهي الأمر بكثيرين إلى عدم الاستماع لجسدهم، وإنما فقط لساعتهم الذكية، وهذا السعي المستمر للأداء المثالي قد يسبب توترًا، أو حتى إحباطًا إذا لم تتحقق الأهداف، كما أن هذه الظاهرة المعروفة باسم “الذات المقاسة أو الذات الكمية ” التي تدفع الفرد إلى قياس كل شيء على غرار الخطوات، ضربات القلب، وقت السكون، التنفس…

النتيجة: بدلاً من التهدئة، تغذي التكنولوجيا ضغطًا خفيًا يضر بالصحة النفسية.

تُظهر الساعة الذكية فائدتها الحقيقية خلال ممارسة النشاط البدني، مثل الجري، ركوب الدراجة، اليوغا، تمارين القوة، والمشي. فهي تقدم بيانات دقيقة وموضوعية حول الأداء، تشمل معدل ضربات القلب، السعرات الحرارية المحروقة، شدة التمرين، مدة النشاط، وعوامل أخرى مهمة تساعد في متابعة وتحسين اللياقة البدنية.

وعبر استخدامها بذكاء يمكن أن تحفز على الحركة، تحسين التحمل، منع إجهاد المجهود الزائد، أو التنبيه في حالة وجود إيقاع غير طبيعي. أما بالنسبة للرياضيين الهواة أو الأشخاص في فترة إعادة التأهيل، يمكن أن تكون هذه البيانات مؤشرات قيّمة.

من ناحية أخرى هناك أوقات في اليوم من الأفضل قضاءها بدون الساعة. وأولها أوقات تناول الطعام. الإشعارات، الاهتزازات، والتنبيهات المستمرة تشتت الانتباه، وتمنع تناول الطعام بوعي كامل.

لذا يجب أن يكون تناول الطعام لحظة للتركيز على الذات، على الأحاسيس الغذائية، وعلى التفاعل الاجتماعي. حيث يحتاج الدماغ إلى هذه الفترات من الانفصال ليتمكن من استيعاب وتنظيم إشارات الشبع بشكل صحيح، بل وأكثر من ذلك قد يسبب وجود الساعة تحفيزًا ذهنيًا مفرطًا، حتى وإن كان غير واعٍ، مما يبعد الانتباه عن اللحظة الحاضرة.

وفي لحظة حرجة أخرى وهي العودة إلى المنزل بعد يوم عمل، ففي هذه المرحلة يحتاج الجسم والعقل إلى الانتقال إلى وضع الاسترخاء. إلا أن الاستمرار في ارتداء الساعة التي تنبهك، وتقيسك، وتذكرك، يبقي الجسم في حالة يقظة مفرطة.

كما أن الانتقال بين النشاط المهني والراحة ضروري للوقاية من الإرهاق النفسي (الاحتراق الوظيفي) والأرق. لذا فإن خلع الساعة يعني بشكل رمزي وبيولوجي التحرر من ضغط الأداء.

تقدم العديد من الساعات تحليلاً للنوم: المدة، الدورات، معدل التنفس، اليقظات الجزئية… وقد يبدو ذلك مفيدًا ولكن بأي ثمن؟ فوجود الساعة على المعصم قد يعرقل جودة النوم، خاصة إذا كانت التنبيهات مفعّلة أو إذا كانت الساعة غير مريحة.علاوة على ذلك، فبعض الأشخاص يطلعون على بيانات النوم فور الاستيقاظ، مما قد يؤدي إلى تفسير خاطئ أو يسبب قلقًا. فإذا أخبرتك ساعتك بأنك لم تنم جيدًا، فمن المحتمل أن تشعر بذلك فعلاً، حتى وإن كان جسدك بحالة جيدة. هذا ما يسمى بتأثير “النو سيبو” الرقمي.

وأخيرًا هناك لحظات لا مكان فيها للساعة الذكية وهي لحظات التفاعل الإنساني. فخلال عشاء مع الأصدقاء، حديث عائلي، أو موعد مهم، تصبح التكنولوجيا حاجزًا غير مرئي يمنع الحضور الكامل.

كما أن النظر المتكرر إلى الشاشة، اهتزاز المعصم أمور تخلق انقطاعات صغيرة في الانتباه، إذ نفقد التركيز، ولا نكون حاضرِين حقًا وهذه اللحظات ضرورية جدًا للروابط الاجتماعية، والذاكرة العاطفية، وتنظيم المشاعر.

الساعة الذكية أداة رائعة للوقاية والتحفيز، بشرط ألا نصبح عبيدًا لها. لذا تعلّم خلعها في أوقات معينة من اليوم أثناء تناول الطعام، في المساء، أثناء الليل أو في المناسبات الاجتماعية ، حيث يساعد ذلك على استعادة التوازن الذهني، الفسيولوجي والاجتماعي.

ليس المقصود هنا رفض التكنولوجيا، بل الحفاظ على السيطرة على استخدامها. فليس للساعة أن تحدد إيقاع يومنا، بل لنا أن نختار متى تساعدنا… ومتى يجب أن تصمت.

الكلمات المفتاحية: ساعة؛ ذكية؛ صحة؛ نفسية؛ تكنولوجيا؛

مقالات في نفس الموضوع