شعار يُردَّد كثيرًا… لكنه غير متناسب مع الواقع
هي جملة تكاد تسمعها كل الأمهات الجديدات منذ الأيام الأولى: “حاولي أن تنامي عندما ينام طفلك.” نصيحة تُقال بنية حسنة وتعاطف، لكنها غالبًا ما تصطدم بالواقع الصعب لفترة ما بعد الولادة. وبين بكاء الرضيع، الرضاعة، العناية، نوبات القلق، والضغط من أجل “القيام بكل شيء على الوجه الأمثل”، يصبح الحصول على قسط من الراحة تحديًا حقيقيًا. ووفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة Sleep، فإن هذه النصيحة ليست فقط غير فعّالة، بل أيضًا غير مناسبة أمام الاحتياجات الفسيولوجية والنفسية الحقيقية للأمهات.
نوم أقل… والأهم أنه نوم متقطع
لفهم الأثر الحقيقي للأمومة على النوم، تابع الباحثون 41 امرأة تتراوح أعمارهن بين 26 و43 سنة، أصبحن أمهات لأول مرة. ومن خلال أجهزة استشعار لُبست في المعصم جرى تسجيل نومهن قبل الولادة وبعدها. وكما هو متوقع انخفضت مدة النوم الإجمالية بشكل ملحوظ: من متوسط 7.8 ساعات في الليلة إلى 4.4 ساعات فقط في الأيام الأولى بعد الولادة.
لكن ما يثير الانتباه أكثر هو تقطّع النوم. فقبل الولادة كانت النساء ينعمن بنحو 5.6 ساعات متواصلة في المتوسط، أما بعدها فلم يستطعن النوم إلا على فترات لا تتجاوز 2.2 ساعة. وثلث المشاركات مررن بأكثر من 24 ساعة دون نوم متواصل.
وتوضح الباحثة الرئيسية في الدراسة، تيريسا ليليس: “الذي أقلقنا أكثر هو فقدان النوم المتواصل فالأمر لا يقتصر على أنهن ينمن أقل، بل إنهن لم يعدن قادرات على الوصول إلى مراحل النوم العميق المرمم.”
النوم المبعثر لا يستعيد الجسد ولا العقل
ويظن كثير من الآباء والأمهات أنه بالإمكان “التعويض” بالنوم على فترات قصيرة، كما يفعل الطفل. لكن دورات نوم الرضيع تختلف جذريًا عن دورات نوم البالغ. فالطفل حديث الولادة ينام بمعدل 14 إلى 17 ساعة يوميًا لكن ليس أكثر من ساعة أو ساعتين متواصلتين. هذا الإيقاع الممزق لا يسمح للأم بالوصول إلى النوم العميق أو النوم الحالم ، وهما أساسيان للاستشفاء البدني والنفسي.
وحتى مع الالتزام بنصيحة “نامي عندما ينام طفلك”، تبقى الأمهات في حالة إنهاك مزمن. وقد أظهرت الدراسة أنه ما بين الأسبوع الثاني والسابع بعد الولادة، لا تنام الأم أكثر من 3.2 ساعات متواصلة كحد أقصى. بينما بين الأسبوع الثامن والثالث عشر لا تتجاوز المدة 4.1 ساعات. هذا النقص في النوم العميق يزيد خطر اضطرابات القلق، ضعف التركيز، وخاصة الاكتئاب ما بعد الولادة.
تعب غير مرئي… لكن نتائجه حقيقية جدًا

يُعدّ نقص النوم أحد أبرز عوامل الضيق النفسي في فترة ما بعد الولادة. فهو يعمل كمُضخِّم للتوتر وسرعة الانفعال، والأفكار السلبية. ومع ذلك غالبًا ما يتمّ التقليل من شأن هذا الإرهاق، باعتباره “جزءً من دور الأم”، فلا يُؤخذ على محمل الجد.
لكن حرمان المرأة من الراحة لفترات طويلة ليس أمرًا بسيطًا فهو يؤثر على جهازها المناعي، وتوازنها الهرموني، وقدرتها على التكيّف عاطفيًا. وبالتالي هي صورة من صور الإنهاك التي قد تترك آثارًا طويلة الأمد، تمتد إلى ما بعد الأسابيع الأولى.
الحاجة الحقيقية: نوم طويل، عميق، ومدعوم بالمحيط
النوم في نفس وقت نوم الطفل؟ قد يساعد أحيانًا لكنه ليس الحل. ما تُظهره هذه الدراسة بوضوح هو أن الأمهات بحاجة إلى فترات نوم متواصلة لا تقل عن 4 إلى 5 ساعات حتى يتمكّن من استعادة طاقتهن. ولتحقيق ذلك لا بد أن يحصلن على دعم ومساندة في بقية مهام الحياة اليومية.
هذا يستدعي تقاسمًا عادلاً للمسؤوليات الأبوية وأيضًا تغييرًا في النظرة المجتمعية. فمساعدة الأم الجديدة لا تعني فقط تقديم النصائح، بل منحها فرصة للراحة الحقيقية. إعداد وجبة، رعاية الطفل لبضع ساعات، القيام بالتسوق، أو حتى الرد على الهاتف بدلًا عنها: كلها مبادرات بسيطة لكنها قد تكون أثمن بكثير من جملة مليئة بالنوايا الحسنة.
إعادة التفكير في مرافقة ما بعد الولادة: قضية صحة عامة
أما في العمق تكشف هذه الدراسة عن فجوة بين الواقع البيولوجي لفترة ما بعد الولادة والتوقعات الاجتماعية التي تثقل كاهل الأمهات. يُطلب منهن أن يكنّ حاضرات، متألقات، منظّمات… بينما في الحقيقة لا يكدن يحصلن على نوم كافٍ.
ولكي تعبر النساء هذه المرحلة دون إنهاك يجب إعلامهن بشكل أفضل، وإحاطتهن بالدعم اللازم، والاعتراف باحتياجاتهن الأساسية – وأولها الحق في النوم ” النوم الحقيقي.” لا مجرد قيلولات قصيرة تُنتزع بين رضعتين.
الكلمات المفتاحية: نوم؛ راحة؛ ولادة؛ طفل؛ أم؛ صحة؛ ما بعد الولادة.