صحة جيدة لحياة أفضل

كيف تغيّر الموسيقى أدمغتنا

حرر : د. سليم بن لفقي | دكتور في علوم الأعصاب
6 أكتوبر 2025

تعمل الموسيقى كدواء طبيعي حقيقي ، فهي عالمية، خالدة، ومشتركة بين جميع الثقافات كما أنها تحفّز عواطفنا، تقوي ذاكرتنا، تحسن قدراتنا الحركية، بل وتساهم في حماية دماغنا من الشيخوخة.

وليست الموسيقى مجرد تتابع من النغمات، بل هي مزيج من الإيقاعات والألحان والكلمات والمشاعر والذكريات، كما أن كل استماع يطلق سلسلة من التفعيلات العصبية. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تحفز الموسيقى المناطق السمعية فقط بل تنشط أيضًا:

  • مناطق الحركة الإرادية،
  • المناطق المرتبطة بالذاكرة والعواطف،
  • دوائر المتعة والمكافأة.

كما لا توجد تقريبًا منطقة في الدماغ غير معنية بالموسيقى، إذ تتقوى الوصلات العصبية، ويزداد التواصل بين نصفي الدماغ، ويتم تحفيز كل من المادة الرمادية والبيضاء.

الاستماع إلى الموسيقى أو ممارستها يطلق ما يشبه “سمفونية عصبية” حقيقية. فمليارات الخلايا العصبية تنشط في وقت واحد، مما يعزز المرونة العصبية أي قدرة الدماغ على إنشاء وصلات جديدة وإعادة تنظيم نفسه.

فالدماغ الأكثر مرونة هو دماغ أكثر كفاءة، يعالج المعلومات بسرعة، ويتكيف مع التغيرات، ويعوض المناطق المتضررة.

الموسيقى مرتبطة بذكرياتنا ارتباطًا وثيقًا، فيكفي لحن بسيط لإحياء ذكرى قديمة أو شعور أو لقاء، اين ينشط الحُصين – مركز الذاكرة – تلقائيًا مما يعزز ترسيخ الذكريات.

  • الاستماع إلى الموسيقى يسهل الحفظ دون جهد.
  • عزف آلة موسيقية يدرب الذاكرة السمعية والبصرية والحركية، ويحدث تغييرات دائمة في دماغ العازف.

ومن اللافت أن الذكريات الموسيقية من آخر ما يختفي في حالات اضطرابات الذاكرة. فحتى بعض مرضى ألزهايمر يتمكنون من تعلم أغانٍ جديدة في مراحل متقدمة، بفضل دوائر العاطفة والمتعة.

تدفعنا الموسيقى إلى الحركة بشكل تلقائي وهو ما يُستغل في إعادة التأهيل الحركي، أين أظهرت الدراسات أن إضافة موسيقى إيقاعية يحسن المشي والتنسيق الحركي لدى مرضى باركنسون أو المصابين بالسكتات الدماغية.

كما تعمل الموسيقى كمنظم إيقاعي يوجه الحركة ويجعل جلسات العلاج أكثر متعة وفعالية.

يطلق الاستماع إلى مقطوعة موسيقية محببة الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة، فيما يُعرف بـ”القشعريرة الموسيقية”. وعلى عكس المخدرات أو الكحول التي تستهدف نفس الدوائر العصبية، تمنح الموسيقى متعة قوية دون إدمان أو ضرر.

تساعد الموسيقى على تخفيف القلق وتحسين المزاج وتعزيز المرونة النفسية.

ومع التقدم في العمر يفقد الدماغ مرونته ويصبح أسيرًا للعادات لذلك تساعد الموسيقى في الحفاظ على هذه المرونة وتعمل كبلسم يعيد إليه الحيوية.

كما يساهم اكتشاف فنانين جدد أو أنماط موسيقية مختلفة في تنشيط الفضول والإبداع وتأخير التدهور المعرفي، لذا يكفي الاستماع المنتظم للحفاظ على النشاط العصبي.

ليست الموسيقى تجربة فردية فحسب بل تعزز الروابط الاجتماعية وتشجع التعاطف، فمشاركة الاستماع تضاعف المتعة وتدعم السلوكيات الإيجابية.

بالنسبة للشباب فإن العزف الجماعي في فرق موسيقية ينمي مهارات الإصغاء والتعاون والاندماج الاجتماعي ، فالموسيقى تعلمنا فهم الآخرين.

  • استمع بانتظام: يكفي 15 إلى 30 دقيقة يوميًا لتحفيز الدماغ.
  •  نوّع الأنماط الموسيقية للحفاظ على الفضول والمرونة الذهنية.
  •  غنِّ أو تعلم العزف على آلة موسيقية: حتى التعلم في سن متأخرة يؤثر إيجابيًا على الدماغ.
  •  اجمع بين الموسيقى والنشاط البدني: كركوب الدراجة أو المشي أو ممارسة الرياضة بالموسيقى لزيادة التحفيز.
  •  استعن بالموسيقى في العلاج التأهيلي: استشر طبيبك أو اختصاصي العلاج الطبيعي إذا كنت تعاني من باركنسون أو آثار السكتة الدماغية أو اضطرابات حركية.
  •  في حالات التوتر أو الأرق، اختر الموسيقى الهادئة والبطيئة لتعزيز الاسترخاء.

الموسيقى ليست مجرد ترفيه، بل أداة علاجية قوية، محفز إدراكي، وحليف للصحة النفسية والجسدية. فهي تغذي ذاكرتنا، تدعم عواطفنا، تنشط حركتنا وتؤخر شيخوخة الدماغ. باختصار تستحق كل اهتمامنا.

الكلمات المفتاحية: موسيقى؛ دماغ؛ علاجية؛ إدراكية؛ محفز؛ ذاكرة؛ عصبية.

مقالات في نفس الموضوع