صحة جيدة لحياة أفضل

فقدان الوزن بعد سن الأربعين، تحدٍ وليس قدراً محتوماً

حرر : د. سعيدة عدادين | طبيبة متخصصة في التغذية
23 ديسمبر 2024

يلاحظ الكثيرون ابتداءً من سن الأربعين أنه أصبح من الصعب الحفاظ على وزن ثابت، وأصعب بكثير فقدان الكيلوغرامات الزائدة، وغالبًا ما تسبب هذا الظاهرة الإحباط، لأن النتائج تبدو أقل سرعة مقارنة بما كانت عليه في السابق، لكن لماذا تصبح هذه الكيلوغرامات أكثر مقاومة مع التقدم في العمر؟

في الواقع هذه الظاهرة هي نتيجة لتغيرات عميقة: فالتمثيل الغذائي أو عملية الأيض تتباطأ، والهرمونات وعادات الحياة تتغير، لذا سيساعدك هذا المقال على فهم أسباب هذا التغيير، مع تقديم نصائح عملية للتغلب على هذه التحديات واستعادة الحيوية الدائمة بعد سن الأربعين.

  • تباطؤ عملية الايض:

مع التقدم في العمر يميل معدل الأيض الأساسي، والذي يُسمى أيضًا الأيض أثناء الراحة إلى الانخفاض، ويرجع هذا التراجع جزئيًا إلى انخفاض تدريجي في الكتلة العضلية، حيث تعتبر العضلات الأنسجة الأكثر نشاطًا في حرق السعرات الحرارية، وبعد سن الأربعين تبدأ الكتلة العضلية في التقلص بشكل طبيعي.

وبدون تمرين نفقد حوالي 3 إلى 5٪ من الكتلة العضلية كل عقد من الزمن، ومع انخفاض العضلات يحتاج الجسم إلى سعرات حرارية أقل للعمل، وإذا استمررنا في تناول الطعام كما كان الحال سابقًا، فإن الوزن يتراكم بسهولة أكبر.

  • التغيرات الهرمونية:

ويعد سن الأربعين فترة انتقالية حيث تحدث تغييرات هرمونية كبيرة، وتعد النساء بشكل خاص الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة بسبب مرحلة ما قبل سن اليأس واليأس، التي تؤدي إلى تقلبات هرمونية قد تؤدي إلى زيادة الوزن.

ويؤدي انخفاض مستويات الإستروجين إلى تراكم الدهون في منطقة البطن، فالإستروجين يساهم في تخزين الدهون تحت الجلد، وعندما ينخفض تتوزع الدهون بشكل أكبر حول منطقة البطن، مما يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض الأيضية.

أما بالنسبة للرجال، فإن إنتاج التستوستيرون يقل أيضًا مع التقدم في العمر، مما يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية وتباطؤ عملية الأيض.

  • مقاومة الإنسولين:

تعد مقاومة الإنسولين عاملاً رئيسياً يجعل فقدان الوزن أكثر صعوبة بعد سن الأربعين، وفي الجسم السليم يساعد الإنسولين في نقل الجلوكوز من الدم إلى الخلايا ليتم استخدامه كمصدر للطاقة، ومع ذلك في حالة مقاومة الإنسولين، تستجيب الخلايا بشكل أقل فعالية للإنسولين، مما يجبر البنكرياس على إنتاج المزيد منه للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم.ويساهم هذا الفائض من الإنسولين في تخزين الدهون، خاصةً في منطقة البطن، ويجعل التحكم في الوزن أكثر تعقيدًا.

  • العادات الغذائية:

بعد سن الأربعين من الشائع أن تكون قد تطورت عادات غذائية راسخة، فبعض الأشخاص يتناولون الطعام عادة أو للتعامل مع مشاعرهم، دون أن يولوا اهتمامًا حقيقيًا لإشارات الجوع والشبع، بالإضافة إلى ذلك في هذا العمر يصبح من الصعب تغيير النظام الغذائي، حيث يتطلب الأمر مراجعة العادات التي تم تأسيسها منذ سنوات عديدة.

  • تأثير التوتر والنوم:

مع وتيرة الحياة المكثفة بعد سن الأربعين، يصبح التوتر وقلة النوم من المرافقين اليوميين في كثير من الأحيان، وهذان العاملان غالبًا ما يُستهان بهما ولكن لهما تأثير مباشر على الوزن، فعندما يكون الجسم متوترًا، يفرز هرمون الكورتيزول الذي يعزز تخزين الدهون ويزيد من الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، أما قلة النوم فهي تؤثر على إنتاج بعض الهرمونات، مثل هرمون الجريلين (الذي يحفز الشهية) واللبتين (الذي ينظم الشبع)، مما يجعل من الصعب التحكم في الجوع والرغبة في تناول الوجبات الخفيفة.

  • انخفاض النشاط البدني:

مع المسؤوليات المهنية والعائلية، قد يصبح النشاط البدني أولوية ثانوية، وبعد سن الأربعين يجعل نقص الوقت، التعب وأحيانًا حتى آلام المفاصل أو العضلات، من الصعب ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، ومع ذلك يُعد النشاط البدني أمرًا أساسيًا للحفاظ على النشاط الأيضي وحماية الكتلة العضلية، وهما عنصران أساسيان لتسهيل فقدان الوزن.

  • تحسين التغذية وفقًا للعمر

بعد سن الأربعين، من المهم إعادة النظر في نظامنا الغذائي ليكون أكثر توافقًا مع الاحتياجات الطاقية والتغيرات الهرمونية.

إليك بعض النصائح:

  • تفضيل البروتينات الخفيفة: البروتينات أساسية للحفاظ على الكتلة العضلية التي تميل إلى التناقص مع التقدم في العمر، أين يساعد تناول غذاء غني بالبروتينات (اللحوم الخفيفة، الأسماك، البيض، البقوليات) أيضًا في زيادة الشعور بالشبع، مما قد يقلل من تناول الوجبات الخفيفة.
  • تقليل الكربوهيدرات البسيطة والسكر المضاف: الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات البسيطة مثل الحلويات والخبز الأبيض والمشروبات الغازية، تسبب ارتفاعات مفاجئة في الإنسولين مما يعزز تخزين الدهون، ومن الأفضل تناول الكربوهيدرات المعقدة (الحبوب الكاملة، الخضروات) لأنها تساعد في استقرار مستويات السكر في الدم وتقليل الشعور بالجوع.
  • دمج المزيد من الألياف: الألياف الموجودة في الفواكه، الخضروات، والحبوب الكاملة تحسن عملية الهضم، تطيل الشعور بالشبع، وتساعد في التحكم بالسعرات الحرارية.
  • تبني نشاط بدني مناسب

لمواجهة تباطؤ عملية الأيض بعد سن الأربعين، يعتبر النشاط البدني أمرًا ضروريًا، ومع ذلك من المهم اختيار التمارين التي تناسب احتياجات هذه الفئة العمرية، إذ أن تمارين القوة ضرورية للحفاظ على الكتلة العضلية وتقويتها، كما تساعد تمارين التحمل مثل المشي السريع، ركوب الدراجة أو السباحة في حرق الدهون وحماية القلب، في حين يعد دمج 150 دقيقة من التمارين القلبية في الأسبوع هدفًا جيدًا.

  • تحسين جودة النوم

النوم هو عامل غالبًا ما يتم إهماله، لكنه يلعب دورًا أساسيًا في إدارة الوزن، فالحصول على قسط كافٍ من النوم، والذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في أوقات منتظمة مع تجنب الشاشات قبل النوم وتهيئة بيئة هادئة يعزز النوم الجيد، كما أن تجنب المنبهات بتقليل استهلاك الكافيين، خاصة في المساء، يساعد في الحفاظ على نوم أعمق وأكثر راحة.

  • إدارة التوتر للحد من زيادة الوزن

إن إدارة التوتر أمر أساسي لفقدان الوزن، لذا من المفيد إدخال فترات استراحة يومية، خاصة في يوم عمل مكثف، للمساعدة في الحفاظ على التوازن العاطفي.

  • مراقبة الصحة الأيضية والهرمونية

بعد سن معين من المهم مراقبة بعض مؤشرات الصحة بانتظام لفهم أفضل لكيفية عمل الجسم وتكييف أسلوب الحياة بناءً على ذلك، كما أن إجراء فحوصات صحية دورية، مثل فحص مستويات الجلوكوز، الإنسولين، الكوليسترول، والمؤشرات الهرمونية يساعد في اكتشاف مقاومة الإنسولين أو الاختلالات الهرمونية التي قد تعقد فقدان الوزن.

  • تبني نهج تدريجي وواقعي

من المهم تحديد أهداف قابلة للتحقيق لتجنب الإحباط والتركيز على التغييرات المستدامة بدلاً من اتباع نظام غذائي قاسي.

قد يبدو فقدان الوزن بعد سن الأربعين أمرًا صعبًا، ولكن مع الخيارات المناسبة والمستدامة، يمكن تحقيق ذلك تمامًا، كما أنه ومع الصبر والمثابرة، يمكن للمرء أن يصل إلى أهدافه، بل ويعزز صحته وحيويته للسنوات القادمة.

الكلمات المفتاحية: التغذية؛ الوزن؛ الأيض؛ الهرمونات؛ الصحة؛ فقدان؛ البروتين؛ الطعام.

مقالات في نفس الموضوع