
بين التعب والمواعيد الطبية والرغبة في البقاء نشطة، تتساءل العديد من النساء المصابات بسرطان الثدي: هل يجب الاستمرار في العمل أثناء فترة العلاج أم التوقف عنه؟ بين اعتبارات الصحة، والهوية، والحقوق، يصبح إيجاد التوازن مهمة صعبة في كثير من الأحيان.
تشخيص صادم وسؤال أساسي
بعد صدمة الخبر تبدأ التساؤلات: هل يجب التوقف عن العمل، أم على العكس، مواصلة النشاط المهني؟ أما القرار فيعتمد على العديد من العوامل : الطبية، والنفسية، والاجتماعية.
يؤكد أطباء الأورام في “المستشفى الأمريكي بباريس” أن «الراحة التامة ليست دائمًا الخيار الأفضل». ويضيفون: «إذا رغبت المريضة وكانت قادرة، فإننا نشجعها على البقاء نشطة حتى أثناء العلاج».
العمل رغم المرض: بين الفوائد والحدود
فوائد الاستمرار في العمل
الاستمرار في العمل أحيانًا يعني الحفاظ على الاتجاه وسط العاصفة. فالعمل يمنح روتينًا، وهيكلًا للحياة، ويساعد المريضة على الحفاظ على هوية أخرى غير هوية “المريضة”. كما يساهم في مكافحة العزلة الاجتماعية، ويعزز الثقة بالنفس ويدعم الصمود النفسي.
ويضيف الأطباء: «العلاقات الاجتماعية والشعور بالفائدة عناصر قوية في عملية الشفاء». وتشير بعض الدراسات إلى أن النشاط الذهني أو البدني المعتدل يمكن أن يساعد في تحمل الآثار الجانبية للعلاج بشكل أفضل، ويقلل من الإرهاق المزمن، ويحسّن جودة الحياة خلال فترة العلاج.
حدود لا يجب تجاهلها
ومع ذلك يبقى سرطان الثدي تجربة مرهقة. فالعلاجات كالعلاج الكيميائي، والإشعاعي، أو الهرموني تسبب غالبًا تعبًا وغثيانًا وآلامًا واضطرابات إدراكية أو قلقًا. وبعض المهن خصوصًا التي تتطلب مجهودًا جسديًا أو تعاني من ضغط عالٍ، تصبح غير متوافقة مع الحالة الصحية.
لذا يؤكد أطباء الأورام: «مواصلة العمل يجب أن تكون خيارًا لا إجبارًا، أما الأهم هو الاستماع إلى الجسد دون شعور بالذنب أو ضغط خارجي».
حقوق المريضات: ما الذي يقوله القانون؟
هل يجب إبلاغ صاحب العمل؟
لا فالقانون لا يُلزم المريضة بالإفصاح عن طبيعة مرضها، والسر الطبي محمي تمامًا، كما أن شهادة التوقف عن العمل المرسلة لصاحب العمل لا تذكر أبدًا نوع المرض. ومع ذلك قد يكون إبلاغ جهة العمل مفيدًا لتسهيل بعض الترتيبات مثل العمل عن بُعد، أو تعديل ساعات العمل، أو تقليل المهام، بشرط أن يتم ذلك في جو من الثقة.
العمل الجزئي العلاجي : عودة تدريجية ولطيفة
يسمح هذا النظام باستئناف العمل تدريجيًا بالتوازي مع مواصلة العلاج، أين يُمنح بناءً على توصية الطبيب المعالج أو طبيب الأورام، ويُعتمد من قبل الضمان الاجتماعي، مما يسمح بالاحتفاظ بجزء من الراتب واستكماله بتعويضات يومية.
ويُعتبر هذا النظام حلًا وسطًا جيدًا بين الراحة، والحفاظ على الروابط الاجتماعية، والتحضير للعودة الكاملة إلى العمل، فيما تختلف مدته حسب الحالة الصحية، لكنها نادرًا ما تتجاوز سنة واحدة.
وإذا لم يكن بالإمكان العودة إلى العمل بدوام كامل، يمكن النظر في منحة العجز لضمان دخل ثابت.
ما هي التسهيلات الممكنة في مكان العمل؟
يلعب طبيب العمل دورًا أساسيًا في تكييف بيئة العمل، ويمكنه أن يوصى بـ:
- تقليص أو تعديل ساعات العمل،
- العمل عن بعد،
- تغيير مؤقت للمهام،
- فترات راحة إضافية،
- أو تخفيف العبء المهني.
وعندما تُعتمد هذه التوصيات طبيًا، يجب على صاحب العمل احترامها إلا إذا كان هناك استحالة مثبتة.
التوقف عن العمل والتعويضات
أما إذا منعت الحالة الصحية أي نشاط مهني، يمكن للطبيب إصدار شهادة توقف عن العمل، وعادةً ما تغطي التعويضات اليومية حوالي 50٪ من الراتب الأساسي، مع إمكانية استكمالها من قبل صاحب العمل وفقًا للأقدمية. وتختلف المدة حسب نوع العلاج:
- من شهر إلى شهرين بعد الجراحة،
- طوال فترة العلاج الكيميائي أو الإشعاعي،
- أطول في حالة العلاج الهرموني أو المناعي.
ويُمنع الفصل لأسباب طبية لكن توجد استثناءات تتعلق بـ«اضطراب في سير العمل» أو «أسباب اقتصادية» .
في حال الشك يُنصح باستشارة محامٍ أو جمعية متخصصة.
الاعتراف بصفة “عامل من ذوي الإعاقة”
يُسهل هذا الاعتراف الحصول على تسهيلات مهنية معينة، أو تكوينات، أو مساعدات، دون أن يعني بالضرورة تعويضًا ماليًا. كما يسمح بالمرافقة من قبل “Cap Emploi” ويمكن الجمع بينه وبين أنظمة أخرى (تعويضات، معاشات…).
التعب والتوتر: كيف يمكن التعامل معهما؟
التغلب على التعب
الإرهاق أحد أكثر الآثار الجانبية شيوعًا وللتغلب عليه:
- خططي أنشطتكِ حسب فترات نشاطك القصوى.
- خذِي فترات راحة منتظمة.
- دعِي المهام الثانوية.
- مارسي نشاطًا بدنيًا مناسبًا مثل المشي أو اليوغا أو السباحة الخفيفة، فهي تقلل التعب بشكل ملحوظ.
تهدئة التوتر
التوتر النفسي أو المهني يمكن أن يزيد الأعراض سوءًا، و للتعامل معه:
- انضمي إلى مجموعة دعم أو جمعية للمريضات.
- استشيري أخصائيًا نفسيًا أو طبيبًا نفسيًا مختصًا.
- حافظي على التواصل مع الزملاء والأقارب.
- مارسي تمارين الاسترخاء أو التأمل أو التنفس العميق.
الدعم النفسي جزء لا يتجزأ من العلاج، وكلما كان التوتر تحت السيطرة، كانت القدرة على تحمل العلاج أفضل.
التمييز: جريمة يعاقب عليها القانون
يحظر القانون أي سلوك تمييزي مرتبط بالمرض. وفي حال التعرض لذلك يمكن اللجوء إلى مفتشية العمل أو الجمعيات المتخصصة.
- العمل أثناء الإصابة بسرطان الثدي ممكن، لكنه ليس دائمًا مرغوبًا.
- الأمر يعتمد على الجسد، والعلاج، وطبيعة المهنة، واختيار المريضة نفسها.
كل امرأة حالة فريدة، ولا توجد طريقة واحدة صحيحة لتجاوز هذه المرحلة، لكن الأهم هو أن تبقى الصحة في المقام الأول، مع الحفاظ على دور فاعل في الحياة.
للتذكير :
العمل يمكن أن يكون مصدر توازن ودافعًا وحتى علاجًا، لكنه لا يجب أن يتحول إلى عبء، فالإنصات والمرونة والدعم الإنساني هي أفضل الوسائل لتجاوز تجربة السرطان بكرامة وقوة.
الكلمات المفتاحية: العمل، السرطان، الصحة، الثدي، المرأة، العناية.