الدماغ عضو لامع بقدر ما هو هش، إلا أنه يجمع بين الإنجازات البيولوجية والمرونة والقابلية للتأثر.

هل تبحث عن قوة خارقة؟ أنت تمتلكها بالفعل وهي دماغك، فبـ 85 مليار خلية عصبية يدير كل شيء مثل أفكارك، ذكرياتك، حركاتك، مشاعرك، إبداعك ، وفي كل ثانية تتواصل هذه الخلايا عبر آلاف الإشارات الكهربائية والكيميائية، محللة باستمرار المعلومات الواردة من حواسك، وموجهة قراراتك وأفعالك، حتى تلك التي تقوم بها بلا وعي.
أعجوبة من المرونة
وما يجعله فريدًا هو مرونته، فخلافًا للعضلات أو الأعضاء الثابتة يعيد الدماغ تنظيم نفسه باستمرار، أين يمكنه إنشاء وصلات جديدة، والتكيف، وتعويض الفقد، والتعلم في أي عمر، وهذه المرونة العصبية هي مفتاح التعلم، والقدرة على التكيف النفسي، وحتى التعافي بعد إصابة دماغية.
هاوية للطاقة
لكن هذا القائد الخفي هو أيضًا أكبر مستهلك للطاقة في جسم الإنسان، فهو وحده يستهلك 20% من الدم و25% من الأكسجين في الجسم، رغم أن وزنه لا يتجاوز 2% من وزن الجسم الكلي، أين يعمل على الجلوكوز لكنه يحتاج أيضًا إلى الأكسجين، والنوم، والمغذيات الأساسية ليعمل بكفاءة مثالية.
“لا يتآكل إلا إذا لم يُستعمل”
آلة استثنائية… لكنها هشة
ورغم قوته فإن الدماغ شديد الحساسية، إذا حُرم من الأكسجين لأكثر من 4 إلى 6 دقائق، يبدأ في المعاناة، وبعد 10 دقائق تصبح الأضرار غير قابلة للإصلاح. ويمكن أن يؤدي الإجهاد المزمن، والتلوث، والكحول، وقلة الحركة، ونقص النوم أو التفاعل الاجتماعي إلى تدميره تدريجيًا.
التحفيز بلا إنهاك: كيف نعتني بدماغنا يوميًا
يعتبر الدماغ عضوا قويا وهشا في آن واحد، وللحفاظ على وظائفه الإدراكية لا يكفي استخدامه؛ بل يجب تحفيزه دون إنهاكه، فإذا تم تغذيته وإمداده بالأكسجين، وحمايته، وتدريبه، فإنه يكشف عن كامل إمكانياته، وهذه هي الركائز المثبتة علميًا لنظافة دماغية جيدة:
- الحركة للتفكير الأفضل: النشاط البدني المنتظم يغذي الدماغ، يزيد تدفق الدم، يحسن وصول الأكسجين إلى الأنسجة ، وينشط إنتاج عوامل النمو العصبي (مثل BDNF) التي تدعم بقاء الخلايا العصبية ونموها. كما يحفز تكوين خلايا عصبية جديدة في الحُصين – مركز الذاكرة – حتى في سن البلوغ.
- النوم العميق لتنظيف الدماغ: النوم العميق مرحلة أساسية يقوم خلالها الدماغ “بالتنظيف” عبر النظام الغليمفاوي، الذي يزيل النفايات الأيضية، بما فيها البروتينات السامة مثل بيتا أميلويد (المرتبطة بمرض ألزهايمر)، فقلة النوم أو تقطعه تعيق هذه العملية وتسرع شيخوخة الدماغ.
- التعلم لخلق الوصلات: كل عملية تعلم – حتى الصغيرة منها – تولد وصلات عصبية جديدة. القراءة، العزف على آلة، تعلم لغة، أو حل الألغاز كلها تنشط المرونة العصبية وتحافظ على المرونة الذهنية والذاكرة.
- التفاعل الاجتماعي لتنشيط الدماغ كله: التفاعل مع الآخرين تمرين إدراكي معقد يحفز اللغة والذاكرة والإدراك والمشاعر في آن واحد. أما العزلة الاجتماعية فتزيد مخاطر الاكتئاب والتراجع الإدراكي والخرف.
- التغذية لدعم الخلايا العصبية: رغم أن الدماغ لا يمثل سوى 2% من وزن الجسم، فإنه يستهلك 20% من طاقته. الغذاء الغني بالأوميغا 3 (كالأسماك الدهنية والمكسرات)، ومضادات الأكسدة (كالتوت والخضروات الخضراء)، وفيتامينات B (الحبوب الكاملة والبقوليات) يحمي أغشية الخلايا العصبية ويدعم الاتصال العصبي ويقلل الالتهابات الدماغية.
- الاسترخاء لمقاومة أفضل: الإجهاد المزمن يزيد الكورتيزول، الذي يضر بخلايا الحُصين عند ارتفاعه لفترات طويلة. التأمل، والتنفس العميق، واليوغا تقلل فرط نشاط اللوزة الدماغية (مركز المشاعر) وتحمي دوائر الذاكرة والانتباه.
الدماغ ليس عضلة لكنه يُعتنى به كحديقة، فلا يتآكل إلا إذا أُهمل، كما أن العمل على تنميته بذكاء يضمن له طول العمر والأداء العالي، وبما أنه قادر على إعادة تشكيل نفسه، فلا يوجد وقت متأخر للبدء في العناية به.
الكلمات المفتاحية: الدماغ؛ الخلايا العصبية؛ عضلة؛ صحة؛ دماغية.