صحة جيدة لحياة أفضل

الجري إلى الوراء: هل هو فعلاً فكرة جيدة؟ 

حرر : الدكتور أسامة محمد ابراهمي | دكتور في علوم الرياضة
1 أبريل 2025

يُعدّ الجري إلى الوراء، أو ما يُعرف بـ” rétro-running“، أمرًا قد يبدو مفاجئًا أو حتى غريبًا. ورغم أنه لا يُعد شائعًا على نطاق واسع، إلا أن هذا النوع من الجري يجد أحيانًا مكانًا له في سياقات محددة، مثل جلسات الإحماء أو برامج إعادة التأهيل. غير أن هذه الممارسة تُثير الجدل، خصوصًا بسبب المخاطر التي قد تنجم عنها.

يبدي العديد من المتخصصين في الصحة قلقهم إزاء المخاطر التي قد ترافق هذه الممارسة. فالجري إلى الوراء يُجبر الجسم على اعتماد حركات غير معتادة تجهد الركبتين والكاحلين والوركين بطريقة غير مألوفة، ما قد يؤدي إلى إصابات إن لم تكن الممارسة مؤطرة بشكل جيد. كما أن الظهر لا سيما منطقة الرقبة قد يتضرر، خاصة إذا لم تُحافظ الوضعية على استقامتها بشكل صحيح. فالدوران المستمر للرأس لتفادي العقبات يزيد من احتمال التعرض لآلام في الرقبة أو الظهر.

ولا تسلم القدمان بدورهما، إذ إن الضغط المتركز على مقدمة القدم أثناء الجري قد يسبب مشكلات على مستوى القوس الطولي للقدم .

القوس الطولي للقدم، المعروف أيضًا باسم باطن القدم، هو المنطقة الواقعة أسفل القدم والمتميزة بانحناء نحو الأعلى. هذا الشكل ناتج عن البُنى العظمية والعضلية المتواجدة في هذا الجزء. وعندما ينهار هذا القوس، تظهر حالة تُعرف بـ”القدم المسطحة”، وهي حالة شائعة لدى الأطفال، وقد تتطلب استخدام نِعال طبية ابتداءً من سن المراهقة، بينما تُعد الجراحة حلاً يُلجأ إليه فقط في الحالات القصوى.  في المقابل تُعرف القدم بأنها “قدم عالية التقوّس” عندما يكون الانحناء غير طبيعي ومرتفعًا أكثر من اللازم، وهي حالة ترتبط غالبًا باضطرابات عصبية. ويمكن لهذه التشوهات أن تُسبب آلامًا أثناء المشي وتشوهات في بنية القدم.

رغم هذه المخاطر يعترف بعض المتخصصين بأن الجري إلى الوراء قد يُحقق فوائد معينة. فهذه الممارسة تُحفّز عضلات نادرًا ما يتم العمل عليها، وقد تكون مفيدة لبعض المجموعات العضلية. إلا أن العديد من الخبراء يرون أن الجري إلى الوراء لا يُحرق السعرات الحرارية بنفس قدر الجري التقليدي، ولا يُسهم بشكل كبير في تحسين الأداء القلبي الوعائي.

لا تزال منافسات “ rétro-running” غير معترف بها رسميًا، كما أن النتائج المحققة في هذا المجال تظل محل نقاش، ويرجع ذلك جزئيًا إلى غياب معايير دقيقة لقياس الأداء.

مع ذلك يمكن أن يكون الجري إلى الوراء وسيلة ممتازة لتحسين التناسق والتوازن الحركي، خاصة خلال الإحماء. فالجري إلى الوراء يُحفّز عضلات الفخذين والساقين بدرجة أكبر، وقد يشكل تحديًا مفيدًا للجسم. كما يمكنه أن يُقوّي بعض العضلات المسؤولة عن التوازن، وهو أمر مفيد لمن يسعى لتحسين لياقته البدنية العامة.

بالنسبة للأشخاص الذين يخضعون لإعادة التأهيل بعد إصابة مثل تمزق عضلي، يمكن أن يكون الجري إلى الوراء وسيلة فعالة للعمل على مجموعات عضلية لا يتم تحفيزها كثيرًا. كما أنه يُخفّف من الضغط الواقع على المفاصل، مما يجعله مناسبًا لبعض برامج إعادة التأهيل.

إذا رغبت في تجربة الجري إلى الوراء، من الضروري أن تبدأ ببطء وعلى أرض مستوية وآمنة، ويفضل أن تكون خالية من العوائق. من الأفضل كذلك أن تتدرب تحت إشراف مدرب أو مختص صحي، لتفادي الإصابات الناتجة عن وضعية خاطئة.

ابدأ بحصص قصيرة، ثم قم بزيادة مدة وشدة التمارين تدريجيًا. يمكنك أيضًا دمج الجري إلى الوراء في تمارين الإحماء، بالتناوب مع الجري العادي على مسافات قصيرة.

ورغم أن الجري إلى الوراء يحمل بعض الفوائد في مجالي التأهيل البدني وتقوية العضلات، إلا أن من الضروري ممارسته باعتدال وفي سياقات محددة، وتجنبه بشكل مفرط من دون إشراف متخصص، لضمان ممارسة آمنة وفعالة.

الكلمات المفتاحية: الرياضة؛ الجري؛ الصحة؛ الجسم؛ الجري إلى الوراء؛

مقالات في نفس الموضوع