في اللوحة الكبرى لتطور الكائنات، لم تتمكن سوى قلة من الأنواع من نسج علاقة مع الإنسان تضاهي في قدمها وعمقها الرابط الذي يجمعنا بالكلب. فالكلب يُعدّ مثالاً مثالياً كونه رفيق درب، وشاهد صامت على انتصاراتنا وسقوطنا، يتقاسم معنا ما هو أعمق من مجرد عاطفة. واليوم قد يكون هو من يمهّد الطريق نحو حلم قديم قِدم الإنسانية: تحدّي الزمن.
دواء مضاد للشيخوخة للكلاب يحصل على الموافقة: نحو طب يطيل العمر للإنسان أيضًا؟
في سان فرانسيسكو، تجاوزت شركة ناشئة شابة في مجال التكنولوجيا الحيوية تُدعى Loyal عتبة رمزية مهمة. فقد حصل دواؤها المصمم لإبطاء شيخوخة الخلايا لدى الكلاب، على موافقة مشروطة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. ومن خلف هذا التقدم البيطري، تُطل آفاق جديدة في مجال طب إطالة العمر، مع وعد ضمني بالكاد مخفي وهو إطالة عمر الإنسان كذلك.
إطالة فترة الصحة، وليس مجرد البقاء على قيد الحياة
تتحدث سيلين هاليوى، المؤسسة والمديرة التنفيذية لشركة Loyal، عن تحسين الحالة الأيضية، وهي القدرة الحيوية للجسم على تحويل العناصر الغذائية إلى طاقة وتنظيم الإشارات الهرمونية، وهي وظائف تبدأ في التدهور بشكل لا مفر منه مع التقدم في السن. وبعيدًا عن تصوّر جرعة تعيد نضارة الشباب ، تهدف الشركة إلى تأخير ظهور مظاهر الضعف، والحفاظ على التوازن الخلوي، وإبطاء ذلك التآكل الصامت الذي ينخر يومًا بعد يوم في الحيوية.
وفي المختبرات تتواصل التجارب السريرية بدقة :كلاب مسنّة، كبسولات وهمية بطعم اللحم البقري لتفادي أي تحيّز سلوكي، وإجراءات معتمدة لضمان السلامة والفعالية، كما أن الدواء مخصص للكلاب التي يتجاوز عمرها عشر سنوات ويبلغ وزنها على الأقل 14 رطلاً، وإذا أوفى بوعوده، فقد يصبح سريعًا عنصرًا لا غنى عنه في عيادات الطب البيطري.
عندما يصبح الحيوان نموذجًا… دون أن يكون ضحية

من خلال هذه المبادرة تحاول العلوم أن ترسم خطاً دقيقاً وهو احترام أخلاقيات التعامل مع الحيوان، وفي الوقت ذاته استكشاف مسارات واعدة في مجال الطب التجديدي. وهنا لا يتم التضحية بالكلب على مذبح التقدم، بل يُعتنى به، ويُعامل بكرامة. هذا النموذج التفاعلي يعيد تشكيل الطريقة التي ننظر بها إلى التجريب البيوطبي حيث يكون المستفيد من التجربة هو نفسه موضوعها .
ولن يكون نجاح شركة Loyal إنجازاً علمياً فحسب، بل قد يُحدث تحولاً جذرياً في قطاعات كاملة من الاقتصاد البيطري. ففي الولايات المتحدة، انفقت العائلات مبالغ متزايدة على حيواناتها الأليفة: ووفقًا لـ MarketWatch، بلغت تلك النفقات في المتوسط 876 دولارًا للأسرة الواحدة سنة 2023، أي ما يقارب ضعف ما كانت عليه قبل عشر سنوات. وليس هذا بغريب، فبالنسبة لغالبية الأميركيين، الحيوان الأليف ليس مجرد ملكية، بل كائن محبوب وعضو كامل في الأسرة.
نافذة نحو مستقبل إطالة عمر الإنسان
ما يجري هنا يتجاوز الأبعاد العاطفية المحضة، فمن خلال إطالة عمر الحيوان، تُطل تباشير طب وقائي جديد لمواجهة الشيخوخة لدى الإنسان. من هارفارد إلى أوكسفورد، يتفق العديد من الباحثين وعلى رأسهم ديفيد سينكلير، على أن فهم آليات التقدّم في العمر لدى الحيوان، وإبطاءها، قد يفتح الباب أمام إعادة برمجة بيولوجية لدى البشر.
في ظلال المختبرات يُبعث حلم قديم من جديد وهو تأخير شيخوخة الخلايا، والحفاظ على سلامة التعبير الجيني، وإطالة الصحة الأيضية. ومع ذلك تظل هناك تساؤلات جوهرية: أن نهرم ببطء؟ لكن لِمَ؟ ولأجل أي نوع من الإنسانية الممتدة نرغب أن نواصل السير؟
عهد صامت بين الإنسان والحيوان
ربما تكمن الإجابة في نظرات كلابنا المُسنة، أولئك الذين لم يطلبوا شيئًا سوى الحب، والذين يسيرون على خيط الزمن باستسلام لا نقدر على مجاراته، كما أن السعي إلى إطالة وجودهم بيننا ليس مجرد طموح علمي، بل هو نوع من الوفاء، وإقرار بأن وجودهم حتى وإن كان عابرًا، لا يُقدّر بثمن.
وإذا ما نجحت الطبابة غدًا في أن تهدينا ربيعًا آخر أو أكثر، فلنأمل ألا يكون ذلك هروبًا من حتمية النهاية، بل تكريمًا لذلك الرباط الصامت، الذي، جيلاً بعد جيل يربطنا بكل من أحببناهم.
الكلمات المفتاحية: الشيخوخة؛ الخلايا؛ التكنولوجيا الحيوية؛ الطب البيطري؛ طول العمر؛ الحيوان؛ الكلاب؛ الحبة.