لطالما كان النشاط البدني معروفًا بفوائده على الصحة الجسدية والعقلية، حيث يزيد من متوسط العمر المتوقع، ويقي من الأمراض المزمنة، ويحسن الصحة النفسية. إلا أن تحليلًا تلويًا حديثًا نُشر في مجلة Pediatrics كشف عن فائدة جديدة للتمارين الرياضية: تأثيرها الإيجابي على التطور الذهني للأطفال.
النشاط البدني كعامل لتحفيز الذكاء
أظهرت مراجعة تلويّة حديثة شملت 14 دراسة عشوائية، أجريت على 3203 طفلًا ومراهقًا تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عامًا، تحسنًا ملحوظًا في معدل الذكاء العام والذكاء السائل لدى الأطفال الذين يمارسون نشاطًا بدنيًا منظمًا، أين يُعرّف الذكاء السائل كما نظّره رايموند كاتل، على أنه القدرة على حل المشكلات الجديدة دون الاعتماد على معارف مكتسبة مسبقًا.
تشير البيانات إلى أن الأطفال الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام شهدوا زيادة بمعدل 4 نقاط في معدل الذكاء، بغض النظر عن مدة التمرين أو القدرات الإدراكية الأولية، حيث تتماشى هذه النتائج مع دراسات سابقة أثبتت فوائد الرياضة على الذاكرة، والتركيز، والوظائف التنفيذية.
الآليات الفسيولوجية والكيميائية العصبية
يعزز النشاط البدني عدة آليات بيولوجية تدعم التطور المعرفي، حيث يزيد من إفراز النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، اللذين يلعبان دورًا أساسيًا في التحفيز والتعلم. كما يشجع النشاط البدني على تكوين الخلايا العصبية وتعزيز اللدونة المشبكية في الحُصين، وهو جزء رئيسي من الدماغ مسؤول عن الذاكرة والتعلم.
تأثير تنوع الأنشطة البدنية
شملت الأنشطة التي مارسها الأطفال في الدراسات التي تمت مراجعتها مجموعة واسعة من التمارين، مثل تمارين التحمل، والرياضات الجماعية، واليوغا، والقفز بالحبل، والتدريبات الموسيقية، وتقوية العضلات، وتمارين التنسيق الحركي. تراوحت مدة الجلسات بين 30 و60 دقيقة، بمعدل ثلاث إلى سبع مرات أسبوعيًا، واستمرت بين أربعة وأربعين أسبوعًا. وقد ظهر التأثير الإيجابي بغض النظر عن نوع النشاط أو الحالة الصحية الأولية للطفل.
الخمول وآفة الشاشات
رغم هذه الفوائد المثبتة فإن الخمول في تزايد بين الأطفال والمراهقين. فوفقًا للمرصد الوطني للنشاط البدني والخمول، فإن 72.5% من الأطفال بين 10 و18 عامًا لا يحققون الحد الأدنى الموصى به من ساعة واحدة من النشاط البدني يوميًا، فيما يقضي 87.5% أكثر من خمس ساعات يوميًا أمام الشاشات. وقد ارتبطت زيادة وقت التعرض للشاشات باضطرابات النوم، وانخفاض النشاط البدني، وزيادة خطر السمنة، ومشاكل في التركيز والانتباه.
وتؤكد التوصيات الصحية العامة على ضرورة تقليل وقت الشاشة وتعزيز النشاط البدني لمواجهة هذه التأثيرات السلبية.
لا يقتصر النشاط البدني على كونه مسألة تتعلق بالصحة الجسدية فحسب، بل يمثل أيضًا عاملًا حاسمًا في تعزيز التطور الذهني والإدراكي للأطفال. لذا، يجب أن يكون إدراجه في البرامج التعليمية وتشجيعه من قبل الأهل والمهنيين الصحيين أولوية لضمان جيل أكثر مرونة وكفاءة على المستوى الفكري.