في قسم طب أورام الأطفال في الجزائر، نادرًا ما تظهر ابتسامات الأطفال المرضى، إذ تختفي تحت وطأة المرض والعلاجات، ومع ذلك يوجد مورد ثمين وبسيط يمكن أن يضيء حياتهم اليومية وهو : الضحك، فالضحك ليس مجرد تعبير عن الفرح، بل يعمل كعوامل حيوية وعاطفية واجتماعية حقيقية، في حين أن إدماج مبادرات حول هذه “الطب البديل” في المستشفيات الجزائرية يمكن أن يحول تجربة المرضى الصغار وعائلاتهم وحتى العاملين في المجال الصحي.
الضحك: حليف بيولوجي غير معروف
وراء كل ضحكة تختفي سلسلة من التأثيرات المفيدة على الجسم، فعلميًا يحرر الضحك الإندورفينات، وهي هرمونات السعادة التي تقلل الألم بشكل طبيعي وتمنح شعورًا بالرفاهية، كما يخفض مستوى الكورتيزول هرمون التوتر، مما يعزز الاستجابة المناعية، وهو عامل حاسم للمرضى المصابين بالسرطان، علاوة على ذلك يحفز الضحك الدورة الدموية ويزيد من تدفق الأوكسجين الى الدماغ، مما يعزز الطاقة البدنية والعقلية.
أما بالنسبة للأطفال المرضى في المستشفيات، الذين يتعرضون غالبًا لعلاجات قاسية، يمكن أن تكون هذه الفوائد فارقة، فقد تساعد ضحكة بسيطة في تهدئة التوترات، وتقليل المخاوف، واستعادة شعور بالروتين الطبيعي، وهو أمر ثمين في بيئة طبية.
مبادرات ناشئة لكنها غير كافية
وفي الجزائر تحاول بعض الجمعيات المحلية إدخال برامج ترفيهية في المستشفيات، ومع ذلك تبقى هذه الجهود محدودة بسبب نقص الموارد والإشراف والاعتراف الرسمي ، وعلى عكس بعض البلدان الأخرى حيث تتدخل فرق من “المهرجين العلاجيين” بانتظام، لم يتم بعد هيكلة هذه المقاربة على المستوى الوطني، لكن تظهر تجربة الممثلين الجزائريين أو المتطوعين الذين يقدمون عروضًا مسرحية في بعض الأقسام الاستشفائية إمكانيات حقيقية، كما أن هذه المبادرات تستحق الدعم والتعزيز لتصبح ممارسة شائعة، ومع التدريب المناسب وزيادة الوعي، يمكن لهؤلاء العاملين التدخل بشكل منتظم ومنسق.
المهرجون العلاجيون: رواد الأمل
تخيلوا لحظة فريقا من المهرجين المدربين للتدخل مع الأطفال المرضى في المستشفيات، مزودين بأنوف حمراء، وكرات ملونة، وابتسامة صادقة، مهمتهم: تحويل انتباه المرضى الصغار عن آلام العلاجات وإضفاء لحظات من الخفة والهروب، أين أظهرت الدراسات التي أجريت في مستشفيات دولية أن هذه التفاعلات لا تقلل فقط من توتر الأطفال، بل أيضًا من توتر عائلاتهم وحتى الفرق الطبية، فهذه اللحظات من الفرح المشترك تخلق بيئة عاطفية أكثر صحة، وهو أمر أساسي لدعم عملية الشفاء.
برنامج وطني يجب بناؤه
ولإدماج الضحك في أقسام طب أورام الأطفال في الجزائر، فإن نهجًا جماعيًا أمر لا بد منه، إليكم بعض محاور العمل:
- التدريب المتخصص: يجب تدريب المتدخلين لفهم الاحتياجات العاطفية والجسدية للأطفال المصابين بالسرطان.
- التعاون المؤسسي: يجب أن تتوحد المستشفيات والجمعيات المحلية لهيكلة هذه التدخلات.
- التمويل المستدام: يمكن أن تساهم الشراكات مع الشركات، وحملات جمع التبرعات، أو المنح العامة في ضمان استمرارية هذه المبادرات.
- الدعم المجتمعي: يجب زيادة الوعي لدى الجمهور العام لتحفيز المتطوعين والفنانين المتحمسين.
الضحك، نور في الظلام
إن تقديم لحظات من الفرح للأطفال المصابين بالسرطان يعني تمكينهم من استعادة – ولو للحظة – براءتهم كأطفال، ومن خلال إدماج الضحك كأداة علاجية في المستشفيات الجزائرية نحن لا نرفه فقط، بل نعيد لهم الأمل، والإنسانية، وقوة الكفاح ضد المرض.
فكل ضحكة تصبح بذلك انتصارًا صغيرًا ليس فقط للأطفال، بل أيضًا لجميع من حولهم، ومعا دعونا نتحرك لضمان أن يظل هؤلاء الأبطال الصغار يبتسمون رغم التحديات، ولنعلمهم أنه حتى في أحلك اللحظات هناك دائمًا سبب للأمل.