في مواجهة التحديات المتعددة التي تطرحها اضطرابات الصحة النفسية، يسعى الأطباء العامون والمتخصصون بشكل متزايد إلى دمج أساليب مبتكرة لاستكمال العلاجات التقليدية، ومن بين هذه الابتكارات، بدأ العلاج بالقراءة في أخذ مكانه في الساحة .
وفي تقاطع بين الطب والأدب، تقوم هذه الطريقة على استخدام الأعمال المكتوبة كأداة علاجية لتحسين الصحة النفسية للمرضى، حيث أنها نهج فعال أظهر نتائج مدهشة، مع تأثيرات إيجابية قابلة للقياس على حالات مثل الاكتئاب، والقلق واضطرابات المزاج.
الأصل والمفهوم
نشأ العلاج بالقراءة في القرن العشرين، وهو مصطلح مكون من “بيبلو” (كتاب) و”ثيرابي” (علاج)، اين يعتمد هذا النهج على فكرة بسيطة وهي أن قوة الكلمات لا يمكنها فقط أن تثقف، بل تخفف أيضا من المعاناة النفسية، كما تشرح دراسة بيير-أندريه بونيت (Pierre-André Bonnet) ، أن هذه الطريقة يمكن أن تكون فعّالة بشكل خاص في الطب العام، حيث يكون الوصول إلى العلاجات النفسية المتخصصة محدودًا بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك طول فترات الانتظار للاستشارات.
وعلى الرغم من أنها حديثة نسبيًا في تطبيقها الطبي، إلا أن العلاج بالقراءة يستمد جذوره من ممارسات قديمة، فقد احتفى العديد من الكُتّاب والفلاسفة بالفضائل العلاجية للقراءة، حيث أشار كل من شكسبير وبروست وغيرهم إلى كيف يمكن للكتب أن تغيّر إدراكنا للعالم، وتمنحنا الراحة في مواجهة الشدائد.
التأثيرات التي يمكن قياسها وتقييمها للعلاج من خلال القراءة
تُظهر الدراسات التي أُجريت في أوروبا وأمريكا الشمالية أن العلاج بالقراءة يمكن أن يكون فعّالًا في إدارة اضطرابات المزاج، فهو يُحسن الحالة النفسية للمرضى، مع تقليل الحاجة إلى الرعاية غير المخطط لها، بالإضافة إلى ذلك تُمكن القراءة من تجربة المشاعر الصعبة من خلال السرد الخيالي، مما يسمح للمريض بالتعرف على معاناته والابتعاد عنها في الوقت ذاته.
أحد الجوانب الأكثر جذبًا في هذه الطريقة هو قدرتها على إحداث عملية تحول داخلي، فالقراءة التي غالبًا ما تُعتبر نشاطًا فرديًا، تمكن بشكل متناقض من تعزيز مرونة المرضى، وسواء كانت روايات أو كتب تركز أكثر على العلاج الذاتي، فإن الفوائد ملموسة وذلك حسبما تؤكد به الأبحاث التي أجراها بونيت وخبراء آخرون.
الحدود والآفاق
ومع ذلك، فإن العلاج بالقراءة لا يُعتبر بديلاً للعلاجات الطبية التقليدية، فإذا كانت مفيدة في الوقاية وإدارة الاضطرابات النفسية الخفيفة إلى المتوسطة، فيجب أن تُدمج في نهج أكثر شمولية، تتضمن أحيانًا العلاج المعرفي أو الدعم النفسي، إذ تُظهر الدراسات أن فعالية هذه الطريقة تزيد بشكل كبير عندما تُستخدم الكتب كتكملة لعلاج أو متابعة طبية، بدلاً من استخدامها بمفردها.
اقرأ لتتعافى
في عالم تزداد فيه مشكلات الصحة النفسية، يقدم العلاج بالقراءة حلاً بسيطًا ومتاحًا وفعّالًا، وإذا تم استخدامه بشكل صحيح، يمكن أن يُحول العلاقة بين المرضى وعقولهم ويقدم دعمًا قيمًا في مسارات العلاج، فلماذا لا تفتح كتابًا أيضًا وتستكشف طرق الشفاء من خلال القراءة؟
الكلمات المفتاحية: العلاج بالقراءة؛ كتاب؛ قراءة؛ صحة؛ نفسية؛ طبية؛ علاج؛