صحة جيدة لحياة أفضل

الشيخوخة الدماغية: الغليكوكاليكس، درع سكري يجب الحفاظ عليه

حرر : د. سليم بن لفقي | دكتور في علوم الأعصاب
30 يونيو 2025

تمثّل الشيخوخة الدماغية تحديًا كبيرًا في مجال الصحة العمومية، نظرًا للارتفاع المستمر في حالات الأمراض التنكسية العصبية مثل مرض ألزهايمر. وفي هذا السياق، سلّطت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “Genomic Press” من قِبل فريق تقوده الدكتورة ”صوفيا شي” من كلية الطب بجامعة هارفارد، الضوء على عنصر بيولوجي لا يزال غير مستكشَف بشكل كافٍ وهو الغليكوكاليكس الوعائي الدماغي. إذ تُظهر هذه البنية السكرية أهميّة كبرى في الحفاظ على سلامة الحاجز الدموي الدماغي (BHE)، ويُعتقد أنها تلعب دورًا محوريًا في مسار التدهور العصبي المرتبط بتقدم العمر.

الغليكوكاليكس هو شبكة معقدة من عديدات السكاريد والبروتينات السكرية تغلف السطح الداخلي للخلايا البطانية الوعائية، وله وظائف حيوية عدّة منها:

  • الحفاظ على سلامة الأوعية الدموية،
  • تنظيم نفاذية الخلايا البطانية،
  • التحكم في التصاق الخلايا والاستجابة الالتهابية،
  • الحماية من الإجهاد التأكسدي والعوامل الممرِضة المنتشرة في الدم.

وعلى مستوى الدماغ يساهم الغليكوكاليكس في كفاءة الحاجز الدموي الدماغي من خلال فلترة انتقائية للجزيئات ومنع تسلل السموم والعوامل الالتهابية إلى الأنسجة العصبية.

أظهرت بيانات فريق الدكتورة ” شي ” أن تركيبة الغليكوكاليكس الدماغي وسُمكه يتدهوران بشكل ملحوظ مع التقدم في السن – وهي ظاهرة موثقة في الأوعية الدموية الجهازية، لكن لم تُدرس بما يكفي على مستوى الدماغ، أين يسبب هذا التدهور:

  • زيادة في نفاذية الحاجز الدموي الدماغي،
  • تفعيل الالتهاب العصبي المحلي،
  • تسلل بروتينات بلازمية وسيتوكينات مسببة للالتهاب،
  • اختلالات عصبية تتفاقم تدريجيًا.

وتُعد هذه الاضطرابات من العوامل الرئيسية في تطوّر أمراض مثل ألزهايمر والخرف الوعائي.

أُجريت الدراسة على نموذج ” فأر ” للشيخوخة، حيث أظهرت النتائج أن إعادة ترميم بعض مكونات الغليكوكاليكس (مثل الغليكوز أمينوغليكان والبروتيوغليكان) أدّت إلى:

  • استعادة جزئية لسُمك الغليكوكاليكس الوعائي الدماغي،
  • تقليل نفاذية الحاجز الدموي الدماغي،
  • خفض الالتهاب العصبي (تراجع مستويات IL-6 وTNF-α وMCP-1)،
  • تحسين الأداء الإدراكي في اختبارات الذاكرة والتعلّم.

وأكد الفريق وجود علاقة مباشرة بين سلامة الغليكوكاليكس واستقرار وظيفة الحاجز الدموي الدماغي.

وحتى الآن ركزت العلاجات الموجهة نحو الأمراض التنكسية العصبية على استهداف الترسّبات النشوانية (Amyloïdes)، وتعديل اضطرابات بروتين تاو، وتقليل الالتهابات الثانوية. أما دراسة “شي” فتقترح تغييرًا جذريًا في هذا النموذج من خلال استهداف آليات وقائية مبكرة، على رأسها الحفاظ على سلامة الغليكوكاليكس الوعائي.

وبدلاً من معالجة العلامات السريرية الظاهرة فقط، تسعى هذه المقاربة إلى استعادة بيئة وعائية سليمة ضرورية لاستقرار الخلايا العصبية.

رغم النتائج المبشّرة على الحيوانات، تبقى عدّة تساؤلات قائمة قبل الانتقال إلى التجارب البشرية منها:

  • تحديد دقيق للمكوّنات السكرية الأكثر عرضة للتدهور مع العمر،
  • تطوير مؤشرات حيوية غير باضعة لقياس سلامة الغليكوكاليكس في الجسم الحي،
  • ضمان سلامة الأدوية التي تعيد ترميم هذه البنية الدماغية،
  • تقييم فعالية هذه الاستراتيجية على المدى الطويل في الوقاية من التنكّس العصبي.

وشدّدت الدكتورة ”شي” على ضرورة إطلاق تجارب سريرية طويلة المدى لتأكيد فاعلية هذا التوجه العلاجي الجديد.

تبرز تدهورات الغليكوكاليكس الوعائي الدماغي كعامل مبكر وأساسي في سلسلة التغيرات المَرَضية المرتبطة بالشيخوخة الدماغية والخرف. وقد تمثل إعادة ترميم هذه البنية السكرية استراتيجية علاجية واعدة، إما وقائية أو مكمّلة للعلاجات الحالية. وتفتح هذه النتائج المجال أمام أبحاث جديدة في مجال الحماية العصبية الوعائية، وتستدعي المزيد من الدراسات السريرية العميقة.

الكلمات المفتاحية: غليكوكاليكس؛ وعائي؛ دماغي؛ حماية عصبية؛ الشيخوخة؛ أبحاث انتقالية.