صحة جيدة لحياة أفضل

في سن الخامسة، يتمكن الأطفال من التنقل في المدينة بأنفسهم

حرر : د. سليم بن لفقي | دكتور في علم الأعصاب
10 مايو 2025

حتى الآن، لم يكن العلماء متفقين على العمر الذي يبدأ فيه الطفل في استخدام المعالم المحيطة به للتنقل وفهم طريقه، فبعضهم كان يعتقد أن هذه القدرة تظهر في سن الثامنة، وآخرون قالوا إنها تبدأ في العاشرة أو حتى الثانية عشرة. لكن دراسة أمريكية جديدة، نُشرت في مجلة “PNAS“، غيّرت هذا المفهوم تمامًا، حيث أظهرت أن الأطفال في سن الخامسة يستطيعون استخدام المعالم للتنقل داخل أماكن واسعة، مثل الأحياء أو المدن، وهي تُعرف باستخدام الخرائط الذهنية للتنقل

وأجريت هذه الدراسة من طرف باحثَين في جامعة إيموري في أتلانتا (الولايات المتحدة)، واعتمدت على مراقبة نشاط دماغ الأطفال باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ، وهي تقنية تُتيح رؤية المناطق الدماغية النشطة في الزمن الحقيقي. وُضع الأطفال في بيئة افتراضية سُميت “تايني تاون” (Tiny Town)، وهي مدينة صغيرة خيالية صُممت خصيصًا للتجربة، تضم أحياء متنوعة (جبل، بحيرة، غابة) وستة مبانٍ  فيها محلين للمثلجات، ومحطتا إطفاء، ومنطقتا ألعاب.

بعد انتهاء الزيارة الافتراضية، طُلب من الأطفال إجراء اختبار أثناء بقائهم داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي. وكانت النتيجة مدهشة إذ تبيّن أن الأطفال بعمر 5 سنوات قادرون بدقة على تحديد مواقعهم داخل هذه البيئة ، أين تقول الباحثة ”يالان جونغ” (Yaelan Jung): “إنهم يعرفون كيف يميزون بين محلَّي المثلجات حسب موقع كل منهما، ويستطيعون إيجاد الطريق المؤدي إلى كل منهما”.

على مدى العقد الماضي حدد علم الأعصاب ثلاث مناطق رئيسية في الدماغ مسؤولة عن التوجه المكاني:

  • التلفيف المجاور للحُصين (APP): يساعد في التعرف على الأماكن وتصنيفها.
  • المركّب الشبكي الخلفي (CRS): يحدد مواقع الأماكن على خريطة ذهنية ويساعد في التخطيط للحركة.
  • المنطقة القذالية الخاصة بالمكان (AOP): تُنظم التنقل في البيئة المباشرة وتجنب العقبات.

تشير الدراسات السابقة إلى أن المنطقة القذالية المسؤولة عن التنقل القريب، لا تنضج تمامًا إلا بعد سن الثامنة. وهو ما بدا متناقضًا للباحثَين نظرًا لأن الأطفال قادرون على التنقل بسهولة منذ عمر السنتين. فافترضا أن مهارات التنقل على نطاق واسع  التي كان يُعتقد أنها أكثر تعقيدًا ، تتطور في الواقع في سن مبكرة.

وقد أكدت التجربة صحة هذا الافتراض فالأطفال في سن الخامسة يُفعّلون بالفعل مركّبهم الشبكي الخلفي، القادر على ترميز مواقع المباني على خريطة ذهنية، تمامًا كما يفعل الكبار.

تختتم الباحثة ”يالان جونغ” بقولها: “رغم أن مهارات التنقل تستمر في التطور مع التقدم في العمر، إلا أن دراستنا تُظهر أن الشبكة العصبية التي تدعمها تعمل منذ وقت مبكر جدًا”.

وبفضل منهج يجمع بين الدقة العلمية والإبداع التربوي والصبر، أثبت الباحثون أن القدرات المكانية لدى الأطفال الصغار أكثر تطورًا مما كان يُعتقد.

الكلمات المفتاحية: طفل؛ دماغ؛ عصبي؛ تصوير بالرنين المغناطيسي.