مرض يبدأ قبل ظهور الرعشات الأولى بكثير
بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة داء باركنسون الموافق 11 أفريل، دقت مجلة “صحتي، حياتي” ناقوس الخطر بشأن الانفجار في عدد الحالات، معربة عن أسفها لغياب استراتيجية عالمية لمواجهة هذا المرض. في عام 2024 يعيش حوالي 12 مليون شخص حول العالم مع مرض باركنسون، وهو رقم كان من المفترض بلوغه في عام 2040 كما أشار الخبراء خلال ندوة صحفية. ولا تزال وتيرة الانتشار تتسارع فبحلول سنة 2050، قد يصل عدد المصابين إلى 25.2 مليون، أي بزيادة قدرها 100% مقارنة بعام 2024. ومنذ سنة 1990 شهد عدد الحالات ارتفاعاً حاداً بنسبة 274%، في حين انتقلنا من 3 ملايين مريض في العالم إلى 12 مليوناً اليوم.
تطور مذهل في بضعة عقود فقط
وعلى الرغم من ارتباطه غالباً بالتقدم في السن، إلا أن هذا المرض العصبي التنكسي لا يقتصر على كبار السن، كما يذكّر الدكتور ”سليم بن لفقي”. ويشرح قائلاً: “نعلم اليوم أن العملية التنكسية تبدأ قبل 10 إلى 15 سنة من ظهور الأعراض الواضحة”. بمعنى آخر يبدأ المرض في التكوّن بفترة طويلة قبل أن يتم تشخيصه، غالباً في حدود سن الستين، في وقت لا يزال فيه المرضى نشيطين في حياتهم المهنية.
تم تحديد عاملين رئيسيين للمخاطر: أولاً، شيخوخة السكان، والتي من المتوقع أن تسهم بنسبة 89% في انتشار المرض بحلول سنة 2050، وثانياً العوامل البيئية لا سيما التعرض للمبيدات الزراعية، وفقاً لما أوضحه الدكتور ”بن لفقي”، الذي دعا إلى ضرورة “تسريع البحث العلمي” في هذا المجال.
أعراض حركية… لكن ليست الوحيدة
مرض باركنسون هو اضطراب تنكسي تدريجي تتفاقم أعراضه مع مرور الوقت، مما يؤثر بشكل كبير على جودة حياة المصابين وراحتهم النفسية والجسدية.
– الأعراض الحركية المميزة:يتجلى هذا المرض بشكل أساسي في اضطرابات حركية، من بينها:
- بطء في الحركة (بطء الحركة – Bradykinésie)
- رعشات، غالباً أثناء فترات الراحة
- حركات لا إرادية خارجة عن السيطرة (خلل الحركة – Dyskinésie)
- انقباض عضلي دائم
- اضطرابات في المشي
- مشكلات في التوازن ووضعية الجسم
وقد تؤدي هذه الأعراض إلى صعوبة في الكلام وتعقيد في الحركة، خاصة بسبب التشنجات العضلية المؤلمة (الديستونيا)، وهي شائعة بين المرضى.
– الأعراض غير الحركية، وغالباً ما يتم إهمالها : إلى جانب الاضطرابات الحركية، يسبب مرض باركنسون مجموعة من الأعراض غير الحركية التي قد تكون أكثر إعاقة:
- اضطرابات معرفية
- مشاكل في الصحة النفسية (كالقلق والاكتئاب)
- خطر متزايد للإصابة بالخرف في المراحل المتقدمة
- اضطرابات في النوم (الأرق، الحركة الزائدة ليلاً)
- آلام مزمنة
- اضطرابات في الحواس
هذه الأعراض التي غالباً ما يتم تجاهلها في البداية، قد تؤثر بعمق على الحياة اليومية وتتطلب متابعة طبية دقيقة.
– اضطرابات حركية أخرى لا يجب الخلط بينها وبين باركنسون:رغم أن داء باركنسون هو الاضطراب الحركي الأكثر شيوعاً، إلا أن هناك أمراضاً عصبية أخرى لها أعراض متشابهة:
- الضمور الجهازي المتعدد
- الشلل فوق النووي التقدمي
- مرض الرقص أو الرقاص (Chorée)
- الترنح (Ataxie)
- خلل التوتر العضلي (Dystonie)
لكن هذه الأعراض ليست سوى الجزء الظاهر ، إذ قد يظهر المرض أيضاً من خلال أعراض غير حركية يصعب التعرف عليها في البداية ويتم التقليل من شأنها. ويؤكد الدكتور بن لفقي: “لا يوجد نوع واحد من باركنسون، بل عدة أشكال”.
يُعد داء باركنسون ثاني أكثر الأمراض العصبية التنكسية شيوعاً بعد الزهايمر، وهو “مرض لا يُشفى منه”، ويضم ما لا يقل عن 60 عرضاً مختلفاً، أشهرها الرعشة، التي تصيب اثنين من كل ثلاثة مرضى.
عرض مبكر وغالباً ما يتم تجاهله: فقدان حاسة الشم
من بين العلامات المبكرة التي يتعرف عليها المتخصصون: فقدان حاسة الشم. لكنه ليس المؤشر الوحيد.
اضطرابات غير معتادة في النوم
علامة أخرى تستحق اهتماماً خاصاً: وهي اضطرابات النوم وهو ليس أي اضطراب، بل نوم مضطرب يتسم بـ:
- حركات فجائية أثناء النوم
- التحدث أو الصراخ ليلاً
- كوابيس عنيفة ومتكررة
وقد تحدث هذه الظواهر لدى أي شخص، لكن في حال تكرارها، ينبغي أخذها على محمل الجد واستشارة الطبيب.
إشارات أخرى يجب مراقبتها
يمكن أن يظهر المرض أيضاً بشكل خفي من خلال:
- انخفاض في المعنويات أو فقدان المتعة ( Anhedonie)
- تعب مزمن (الوهن – Asthénie)
- آلام في المفاصل، خاصة على مستوى الكتفين
وغالباً ما تُنسب هذه الأعراض إلى أسباب أخرى، مما يؤدي إلى تأخر في التشخيص. ويؤكد الباحث: “العديد من المرضى يتلقون مضادات اكتئاب لا تؤثر على حالتهم، إلى أن تظهر الأعراض الحركية ويُشخّص المرض أخيراً”.
مرض ذو أوجه متعددة
يأخذ المرض شكلاً مختلفاً من مريض لآخر، فلدى البعض تكون الاضطرابات الحركية هي السائدة. أما لدى آخرين، فتكون الأعراض غير الحركية هي الأكثر إعاقة.
وهذا التنوع في الأعراض يجعل التشخيص والعلاج أكثر تعقيداً، لأن العلاجات الحالية فعالة بشكل خاص ضد الأعراض الحركية، في حين تبقى الأعراض غير الحركية صعبة التخفيف.
تشخيص مبكر… ضرورة ملحّة
في مواجهة مرض خبيث بهذا الشكل، فإن التعرف على العلامات المبكرة خاصة قبل سن 65 عاماً، يُعد أمراً ضرورياً لتسهيل التشخيص والتكفل المبكر. وكلما كان التعرف على هذه المؤشرات أسرع، كلما أمكن الحفاظ على جودة حياة المريض والتدخل في الوقت المناسب.
الكلمات المفتاحية: باركنسون، تشخيص، مبكر، صحة، مرض، رعشة، نوم، بيئة.